نبهتني أمي:
«إنك تخطين على جثة أبيك»
وبالفعل كنت واقفة في منتصف مستطيل
وقد ُشذبت أعشابه بعناية تليق بقبر أبي،
و لكن غاب عنه شاهده وَ وسمه.
«إنك تخطين على جثة أبيك»
كررت أمي العبارة،
بصوت أعلى هذه المرة
يا للغرابة!
وأنىّ للأموات أن يصرخون!
حتى طبيبك - يا أمي- أكدّ لنا
أنك قد وافتك المنية.
اتجهت قليلاً إلى حيث انتهى أبي وبدأت أمي.
كانت المقبرة ساكنة
والريح تهب بين الأشجار
سمعت أصواتاً منتحبة من بعيد
وحتى نباح كلب بدا لي أنيناً وعويلاً.
خفتت الأصوات بعد برهة طويلة.
وأدهشني نسياني
كيف جئت إلى هنا... لهذا المكان
الذي بدا لي كمقبرة،
ربما كان ذلك من صنع خيالي;
ربما كان حديقة عامة، وإن لم يكن
ربما كان بستاناً، أو عريشة عطرة ...
فقد تنبهت للتو لشذى الورد وعبيره
أو كما يقول المثل «عذوبة الحياة تملأ الأرجاء»
وفجأة اكتشفت أنني وحيدة
أين ذهب الآخرون؟
أين ذهبت أختي أبيغيل؟
أين ذهبت قريبتي كيتلين؟
بدأ الظلام يحل رويداً رويداً.
أين السيارة التي كانت تنتظرنا لتعيدنا لدارنا؟
وبدأت أبحث عن بدائل
وتزايد نفاذ صبري
بل وداهمني التوجس والقلق
وأخيراً رأيت من بعيد
قطاراً صغيراً وقد واره الشجر
وعلى باب القطار وقف
الكمساري ينفث دخان سيجارته.
هتفت له «لا تنسني»
وأنا أجري وألهث
وأخطو على قبور عديدة
لآباء وأمهات كثر.
حينما وصلت إليه، هتفت له «لا تنسني».
«ياسيدتي» قال لي وهو يشير للقضبان
«بالتأكيد أنك تدركين أن هذه هي نهاية الطريق».
قاسية كانت كلماته
برغم الحنان في عينيه
الذي أمدني بالشجاعة أكثر وأكثر
«ولكن لهذه القضبان خط للعودة»
وأشرت لقوتها ومتانتها
وكأنما هناك في الانتظار
محطات كثيرة للعودة.
« عملنا صعب كما تعلمين
نواجه كثيراً من الأحزان
ونرى كثيراً من خيبة الأمل»
كان يحدق بي وهو يحدثني بمنتهى الصراحة
«كنت مثلك في يوم ما، تشتعل نار الهوى في فؤادي»
سألته وكأنه صديق عزيز:
بما أن لديك حرية القرار
ألا تريد العودة للديار
وفي المدينة تنوي الاستقرار؟
«هنا وطني وداري،
أما المدينة، فأنا وهي
اثنان لا يجتمعان».
** **
شعر/ لويز جلوك
ترجمة/ نادية خوندنة