هدى مستور
زوجي روتيني وممل،،،
أنا زوجة وأم لثلاثة أطفال وموظفة، مشكلتي تكمن في طبيعة سريان حياتي الزوجية، فزوجي ذو شخصية قوية وهو من يتحكم في تنظيم وترتيب نظام الأسرة، أنا أقوم بواجباتي الزوجية وكأم لكنني أحب التجمعات والزيارات العائلية والاجتماعية وأجد سعادتي فيها، أحب التغيير المستمر، أما زوجي فهو روتيني جداً وممل إلى أبعد حد، فروتينه اليومي لم يغيره منذ زواجنا إلى اليوم أي منذ قرابة 15 سنة! يقضي أغلب وقته في قراءة الكتب ومتابعة الأخبار في القنوات الفضائية وأحياناً بالسهر مع زملائه في الديوانيات، لا يعترف بالمفاجآت ولا يفضل التجمعات العائلية ويعتبرها هدراً للوقت، لا يهتم باستثمار أي مناسبة لإقامة احتفال، لا يحب السفر إطلاقاً، (أحياناً وبعد إلحاح من الأولاد يسافر بنا إلى دبي فقط) وهو إذا تكلم في موضوع فهو يتكلم في مواضيع لا أحبها ولا تستهويني أبداً، وقد طلب مني كثيراً أن أشاركه هوايته المفضلة وهي القراءة، ولكني لا أحبها أبداً، ولابد من التنبيه إلى أنه لا يهتم بصحة جسده ولا يمارس الرياضة وهو غير رومانسي ولا يحرك المشاعر أو يشبع العواطف، كثيراً ما أفاتحه بالموضوع وأفتعل معه مناقشات حادة، لأجل الانتباه إلى ضرورة التجديد والتغيير، لكنه دائماً يردد هذا طبعي، واحمدي ربك أني زوج مستقيم ومخلص لك، وللأسرة، ولم أخونك أبداً، أعترف بخصاله الطيبة فهو صحيح رجل جاد ومثقف، وأب حنون، ولا يعتبر زوجاً قاسياً أو شرساً أو عصبيا، ولا أعتبره سيئا في التعامل، ولكني أشعر باختناق شديد، وملل يكدر علي حياتي، فماذا أفعل؟.
الحل :-
يقترن الزوجان ببعضهما، قد تجمعهما بعض الاهتمامات ولكن وفي الغالب أنهما لا يتشابهان فيما جبلا عليه بالمرة -لاسيما في حال التطرف - وذلك لتحقيق غاية التكامل بينهما، هذا من جهة وكذلك ليأتي الجيل من الأبناء خليط منهما، تحقيقاً للتوازن الكوني.
إذ لو كنت تشبهينه جداً، فإني أظن أن الحياة ستغدو جادة على نحو ممل، وباردة ومتشابهة إلى درجة الشعور بالاختناق، كما جاء في وصفك، فكلاكما يستهويكما الشيء نفسه، وكلاكما لم تجربا الجديد كتوسيع دائرة علاقتكما، وكلاكما معلوماتكما لا تتجاوز الأخبار وما يرد في الكتب بعناوينها المختلفة، ولو كان يشبهك لكان الوقت الذي تقضيانه في الخارج أكثر من الوقت الذي تقضيانه في المشاركة في خلق جو الأسرة ولتحول الشعور بالملل إلى شعور بالتأنيب من جراء التفريط في حق الأبناء وحاجتكما للاستقرار!.
وأظنك سلمتيه القيادة كاملة لأنه يقضي أغلب وقته في البيت هذا من جانب إضافة لإيمانك برجحان رأيه وثقتك بمدى عنايته بالبيت والأولاد واهتمامه بهم في حال زياراتك وغيابك.
أقدر وأتفهم حجم شعورك بالملل، فهذا الشعور كفيل بإضعاف أي مذاق للحياة الزوجية، ولكن ما يطمئن هو أنك امرأة متجددة ومتطلعة، ويمكنك التغلب على شعورك بالملل، بالتوقف مع نفسك، والتطلع لمحاولة إعادة اكتشافها من جديد، وقد لا يحدث ذلك بشكل كامل من خلال الوظيفة، وإنما من خلال ممارسة هواية تظهرين فيها شغفك وتخرجين فيها شيئاً من طاقتك، دون أن تضعي سعادتك في وضعية التوقف في انتظار تغيير سلوك الزوج.
أما العاطفة العميقة والصادقة والحقيقية، فلن تعثري عليها إلا لدى زوجك، وإن قدمها لك بالطريقة التي رسمها له ذهنه، وواكبت فهمه واتفقت مع تجربته وخبرته.
يمكنك أيضاً اصطياد أفضل الخصال لدى زوجك، أو يمكنك كتابة كل يومين مهمتان قام بها زوجك للبيت ولك وللأولاد، دون أن تهملي صفة بحجم كف الأذى وعدم تتبع زلاتك، والبحث عن الهدوء والاعتكاف على القراءة كأحد هواياته المفضلة، وكقضاء المشتريات وتوفير الاحتياجات وتفقد الأبناء والحنو عليهم، وتوفير الأمن للبيت وأهله، واحترام شخصك في حضورك وغيابك، وأخرى (يمكنك إكمال القائمة بها)، وأنا واثقة أنك حين تكملين القائمة سيتحول الشعور بالاختناق وبصورة فورية إلى شعور غامر بالرضا والسلام والامتنان.
إن نجاحك في تهدئة العواطف الثائرة وتوقفك عن الاستسلام للأفكار المتمردة، سيساعدك إلى حد بعيد في الوصول إلى نتيجة هامة لضمان استقرارك العاطفي وتعديل موقفك النفسي، تجاه وضعك مع زوجك، وسيأخذ بك للوصول إلى درجة التقبل أي تقبل زوجك بجديته الدائمة وخططه المدروسة وقراءاته المكثفة وهواياته المحدودة وإعراضه عن صرف جزء من الوقت في الترفيه. تقبلك لهذا الوضع، سيشعر به زوجك، ومن ثم قد يساعده على التغيير حين يشعر أنه مقبول نفسياً من قبلك، وسيخف لديه الإحساس بالرفض الفوري والقاطع لمحاولاتك.
لنفترض أني تواصلت مع زوجك وطلبت منه أن يعبر عن موقفه منك كزوجة، وعن أسلوب تعاطيك معه، فماذا يغلب على ظنك، في تقييمه لموقفك؟!:-
1 - سيشكرك لكونك زوجة حريصة على كينونة العائلة، وتهتمين بتوفير احتياجاته، والعناية بأطفالكما، وأنك سلمتيه قيادة البيت احتراماً لدوره، وقد اكتفيتي ورضيتي بهذا القدر في وسط غمار حياة تعج بالمتطلبات والنكد والمكائد والتعنيف.
2 - سيشكر محاولاتك للتقرب منه، ويتأسف لعجزه عن المقاربة، وتفهمه لمحاولاتك، ويكرر شكرك لاحترامك للفوارق في أسلوب الحياة، وتقبلك للاختلاف في الشخصيات بينكما، ومحاولتك الصادقة لغض الطرف عن ذلك إلى حد اعتباره أمراً عادياً.
3 - سيوقع باللائمة عليك، لكونك لم تحمدي الله عليه فهو زوج عاقل لا نزوات له، وكريم يوفر لك وللأسرة العيش الكريم، كما أنه يتعامل معك باحترام وهدوء، في حين أنك من يختلق المشكلات، وتحاولين دوما إرغامه على التغيير، وتفتعلين القصص وتتظاهرين بالتعاسة والتضحية.
4 - (الخيار لك لتسأليه وتدوني إجابته).
إفصاحك عن موقفك، وشعورك، يدل على أنك شخصية منفتحة ومرنة معاً ولديك رغبة جادة في العثور على حل، وأنت بذلك تتفوقين على غيرك، والإفصاح يساعد على التخفيف من تراكم الاحتقان، ويساعد بصورة قاطعة في وضوح الرؤية، وكذلك استحقاقك التوفيق الإلهي الموعود به لمن نوى الإصلاح {إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء: 35).
بقي عليك، أن تكفي عن محاولاتك المستمرة في الضغط على نفسك قبل زوجك، في محاولات كطواحين الهواء لتغيير الآخر، كما أنه حاول معك إشراكك في هواية القراءة وقابلتِ ذلك بالامتناع والرفض، هو لم يرغمك، افعلي الشيء نفسه معه دون أن يراودك شعور ولو للحظة بأن الحق معك لوحدك، فالحق ليس حكراً على أحد الزوجين، إذ كل منهما ممسك بوجه منه، والوجه الآخر بيد الآخر.
وفقك الله