الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
لا يزال الإعلام الغربي بمختلف مكوناته يسهم وبشكل كبير ومؤثر في صياغة وتشكيل الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين في العقل الغربي. وتتواصل الإساءة للإسلام وأحكامه في وسائل الإعلام من خلال تقديم الصور النمطية الكريهة والمسيئة بمختلف الأشكال والألوان، ومن ذلك الادعاءات الباطلة أن الإسلام ظلم المرأة في الميراث، وأنه أعطى للذكر مثل حظ الانثيين، وغيرها من الادعاءات القديمة المتجددة حتى وصلت لمواقع التواصل الاجتماعي.
«الجزيرة» التقت عددًا من الفقهاء المتخصصين ليفندوا هذه الفرية التي توارثتها أجيالهم.. فماذا قالوا؟
د. سارة القحطاني: التفاوت بين الذكور والإناث في مسائل الميراث ليس على إطلاقه
المظاهر التشريعية
تقول الدكتورة سارة بنت متلع القحطاني أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الكويت أنه لابد أولاً من الإقرار بأمرين قبل الشروع في تفنيد هذه الشبهة الأولى: أن الشريعة الإسلامية في أحكامها مترابطة النسيج، بحيث تتكامل أجزاؤها في توازن دقيق من جهة، وتتوافق روافد أحكامها بحيث تقوم على أساس العدل من جهة أخرى.
الثانية: أن التفاوت بين الذكور والإناث في مسائل الميراث ليس على إطلاقه، ذلك أن مسائل الميراث تحكمها ثلاثة معايير هي:
أولاً: درجة القرابة بين الوارث - ذكرًا أو أنثى - وبين المورث - المتوفى - والقاعدة أنه كلما اقتربت الصلة زاد نصيب الوارث وكلما بعدت الصلة قل النصيب في الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين.
ثانياً: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فالأجيال التي تستقبل الحياة وتستعد لحمل أعبائها عادة ما يكون نصيبها أكبر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة وتخفف من أعبائها بل وتصبح أعباؤها عادة مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للورثة.
ثالثاً: العبء المالي الذي يوجب الشرع على الوارث تحمله، والقيام به حيال الآخرين، وهذا المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى ولكنه تفاوت لا يفضي إلى ظلم للأنثى أو انتقاص إنصافها، إذ لما كان الرجل قوامًا على المرأة، مكلفاً بالإنفاق على أسرته، جاء هذا التشريع مظهراً من المظاهر التشريعية لتطبيق هذا الأصل - وهو تكليف الرجل بالإنفاق على أسرته.
قال الإمام النووي في بيان الحكمة من زيادة حصة الذكر على الانثى في بعض الأحوال: «حكمته أن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة في القيام على العيال والضيفان والأرقاء والقاصدين ومواساة السائلين وتحمل لغرامات وغير ذلك، والله أعلم»، ومن جهة أخرى فإن استقراء حالات الميراث ومسائله - كما جاءت في علم الفرائض - يكشف عن الحقائق الآتية:
1- هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.
2- هناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً.
3- هناك عشر حالات أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
4- هناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها نظيرها من الرجال.
تسع حالات
ويبدأ الدكتور فهد بن سعد المقرن الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض حديثه بقول الله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ، ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ، من منطوق هاتين الآيتين الكريمتين، نعلم أن قضايا الحكم بين الناس مردها إلى الوحي المبين المبلغ عن الرسول الأمين -صلى الله عليه وسلم، وهما الكتاب والسنة الصحيحة، وهو دستور هذه البلاد المملكة العربية السعودية أعزها الله ونصرها، ولهذا فما يروجه الأعداء والمعاندون لشريعة الإسلام من أن الإسلام ظلم المرأة ولم ينصفها بجعل نصيب الرجل في الميراث أكثر من ميراث المرأة، فهذا الكلام في حقيقته اجتزاء لصورة واحدة، وهو وجود ذكر مساوي لها في الميراث فهو في هذه الحالة يرث أكثر منها، أما الصور الأخرى فقد ترث المرأة أكثر من الرجل في تسع حالات معلومة عند أهل العلم بالفرائض، وهؤلاء وضعوا عين النقد على صورة واحدة، وتغافلوا عن صور متعددة ترث فيه المرأة أكثر من الرجل، وليس الشأن في بيان هذا، فالذي قسم الميراث هو رب السموات من فوق سبع سموات، والعبودية تقتضي التسليم والإذعان والخضوع لحكمه والانقياد له بالطاعة، ولهذا لم يسمع هذا الصوت النشاز إلا من قبل من لم يدن بدين الإسلام، وإلا فالمؤمن يذعن لحكم الله كما قال تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا، على أن الحكمة في كون الذكر يأخذ أعلى من نصيب الأنثى في حالات معينة معللة في الشريعة الإسلامية، فالرجل في الإسلام مكلف بالنفقة على المرأة في نفسها أو بيتها أو أولادها، وهو مكلف بالمهر عند الزواج، وعليه من الواجبات ما ليس على المرأة، ومع هذا فدعاوى المناوئين للشريعة قديمة لا تزال تتجدد، وهي شنشنة نعرفها منهم، وهم في هذا يصدق فيهم قول الشاعر:
كَنَاطِحٍ صَخرَةً يَوْماً ليوهنها
فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
القانون الكامل
ويشير الدكتور فهد بن عبدالرحمن اليحي أستاذ الفقه بجامعة القصيم أن هذه الفرية لا تفتأ تثار أحياناً ممن لا يدرك حقيقة الإسلام ولا يفقه أحكامه ولا ينظر إلى قوانينه نظرة شمولية، فالإسلام هو دين الله الحق الذي لا يقبل غيره وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}، وهو القانون الكامل العادل {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ، فلا يستريب مسلم ولا ينبغي أن يخالج إنسان شك بكمال أحكامه وعدالتها العدالة المطلقة، ومن ذلك ما نحن بصدده وهو ميراث المرأة، فأولاً ليس صحيحاً أن ميراث المرأة دائماً نصف ميراث الرجل بل هذا في بعض الصور والحالات فحسب، فمن درس فقه المواريث في الشريعة الإسلامية علم أن الأنثى ترث أحياناً كالذكر في منزلتها، وأحياناً أفضل منه، وأحياناً ترث لو كانت أنثى وتسقط لو كانت ذكراً، وتفصيل ذلك معروف لدى الفقهاء.
ثانياً: يجب أن نعلم أن في جميع كتب الفقه التي هي قانون المسلمين هناك باب مستقل عنوانه النفقات أو النفقة يتكلم فيه الفقهاء بعبارات قانونية محددة عمن تجب عليه النفقة ومن تجب له النفقة، ونلاحظ في باب النفقات أن المرأة تحظى بجانب مهم في هذه المواد القانونية، فمن أهم النفقات وآكدها نفقة الزوجة، ثم نجد أن المرأة أيضًا تجب لها النفقة بوصفها أماً أو بنتاً أو أختاً بل قد تجب النفقة لها وإن كانت صلتها أبعد من هذا، وهذه المواد القانونية في النفقات لا نجد لها مثيلاً أبداً في القوانين الغربية، فلا يوجد للمرأة حق في نفقة على زوجٍ أو على أبٍ أو على أخٍ أو على ابنٍ.. لا يوجد مثل ذلك وإن وجد شيءٌ من ذلك فهو يسير جداً لا يمكن أن يقارن بالحق الذي فرضه الإسلام للمرأة في النفقة، وحينئذٍ فيجب على المنصف أن يجمع أبواب الفقه جنباً إلى جنب وينظر إليها بنظرة شمولية وتقييم شمولي، هذه دعوتي للغربيين ولمن قد يتأثر بمثل ما يطرحه أولئك، عليه أن ينظر إلى الحقوق الواجبة للمرأة في الفقه الإسلامي وسيجدها بمجموعها أفضل بكثير من جميع قوانين البشر وثقافاتهم، ومن هنا يتبين لنا أن الإسلام حينما أعطى المرأة في الميراث حقاً في بعض الصور أقل من الرجل فذلك باعتبار تخفيف الأعباء المادية على المرأة فليس عليها تكاليف مادية بل هي مكفولة لا تجب عليها نفقة وإنما تجب لها نفقة، فناسب أن يُعطى المنفِق ضعف من ليس عليه نفقة، خذ مثلاً من توفي عن ابن وبنت فللبنت نصف ميراث الابن في هذه الحال، ولكن لو احتاجت البنت إلى سكن أو غيرها من النفقات الضرورية لوجب على أخيها الإنفاق عليها ما دام قادراً على سد حاجتها أو بعض حاجتها.
ثالثاً: أفلا ينظر هؤلاء الغربيون أو من ينتهج منهجهم ماذا قدموا للمرأة مادياً من خلال قوانينهم قبل أن ينتقدوا غيرهم؟
فلا مهر يجب عند الزواج في كثير من القوانين، وتكاليف الحياة يتقاسمها الزوجان (ليس عندهم سكنى ونفقة للزوجة) وغير ذلك مما يطول تفصيله، ثم ما العدالة في الميراث في قوانينهم؟! لقد اعترف بعض المنصفين منهم بتفوق القانون الإسلامي على القوانين الأخرى في الميراث وإنصاف المرأة كغوستاف لوبون ولورا فاغليري ومارسيل بوازار ولويس سيد يو وسالي مارش وآنا ماريا وغيرهم، فقوانين الغرب بل وجميع الحضارات الأخرى مضطربة عجيبة في شأن الميراث وكثير منها يمنح الشخص كامل الحرية في الوصية بميراثه يهبه لمن يشاء ويمنعه عمن يشاء حتى كان منهم من أوصى بميراثه لكلبه دون أبنائه بقوة القانون وحمايته.