لم يكن أحد ليدرك حجم الجهود التي بذلت لإقامة الأمن على ربوع هذا الوطن أكثر من أبنائه الذين عايشوا قصته وواقعه عبر مسيرة نشر مظلته على ربوع المملكة، وإن لم يكن بعضهم قد عاصر بدايات تلك المسيرة التي بدأها وخط أساسها الملك المؤسس عبدالعزيز -طيب الله ثراه- فإن ما يسجله التاريخ في صفحاته يثبت عظمة الإنجاز الذي تحقق بفضل الله على يد البطل المؤسس يعجز عن الوصف ويسمو على أدوات التحليل في ظل معطيات الحالة الأمنية المتردية التي كان واقع جزيرة العرب عليها قبل أن ينشر الأمن في دوحته المباركة نتيجة الجهود الموفقة لصقر الجزيرة -يرحمه الله-.
ولعل من يتعرض من الكتاب والباحثين لقصة الأمن في المملكة لا يمكنه أن يتطرق إليها أو يدرس أياً من جوانبها دون أن يقف عند حدود العظمة في جهود الملك عبدالعزيز لإقامة الأمن في هذه البلاد التي تشكل مساحتها مساحة عدة دول مجتمعة وليس ذلك فحسب بل إن امتداد سواحلها في الشرق والغرب يفرض ظروفاً تتطلب مواجهة أمنية واعية ومدركة لهذه الحقيقة الجغرافية التي هي بلا شك من المؤثرات الفاعلة في أمن هذا الوطن.
وإذا كان مثل هذا الواقع الجغرافي من حيث امتداد المساحة وترامي الأطراف وطول السواحل وصعوبة التضاريس تشترك فيه دول أخرى مع المملكة أو تتشابه معها غير أن واقع الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها المملكة قبل توحيدها تثبت بجلاء ووضوح أن من أقام هذا الصرح الأمني يمتلك من مميزات العبقرية والحكمة وقبل ذلك التوفيق من الله ما يسمو فوق الكلام والوصف والتحليل، وإن كان قد وجد إنصافاً من التاريخ وجعله يقف مندهشاً من عظمة ما تحقق من أمن وأمان فوق رمال هذا الوطن.
ولنا أن نتصور أو يتخيل معنا من لم يعايش تلك الفترة حجم الجهود التي بذلها -وبكل الإخلاص والتفاني- الملك المؤسس ومن أحاط به من أبنائه ورجاله، لنا أن نتخيل ذلك من خلال ما سجله المؤرخون من الأجانب حيث كتب أحدهم عام 1357 يقول: «لم يكن نجاح ابن سعود المدهش في إدارة مملكته لا يقل عن نجاحه في الحرب والسياسة، فإن مهمة توطيد الأمن ونشر العدالة ووضع أسس التقدم كانت شاقة في تلك المساحة الواسعة من البلاد التي تعود أهلها الرُحل منذ قرون أن يتحدوا كل سلطة لشيوخهم وألا يتقيدوا بشيء سوى قانون القبيلة»، ويستمر هذا المؤرخ ليقول «لقد بطلت عادة الغزو بالفعل ولم تعد القبائل تعرف معنى الإتاوة، وأصبح من النادر أن يتعرض أحد لمسافر أو أن يسرق حاجاً». ولا نبالغ إذا قلنا إن هذه البلاد قد بلغت في حفظ الأمن درجة قد تفوق دول العالم ولا يستثنى من ذلك أعرقها حضارة.
إن شهادات المؤرخين الأجانب كثيرة ومنصفة لمؤسس مسيرة الأمن التي أقامها على التوحيد فقاد هذا الوطن نحو البناء والتنمية والخير والنماء فجمع حوله القلوب وألف النفوس وأقام قواعد هذا الوطن على الدين والعدل والأخلاق وعلى الإخلاص في القول والعمل فكانت ثمار ذلك الصرح الكبير الذي استظل تحت دوحة أمنه أبناؤه ومن يحلون عليه ضيوفاً.
لقد كانت مسيرة الأمن في المملكة مثار إعجاب المؤرخين المنصفين وكانت محل تقدير أبناء هذا الوطن الذين عاشوا بعض جوانبها وأدركوا الجهود التي بذلت من أجلها وحتى لا نذهب بعيداً في الاستدلال بأقوال المؤرخين فلعل ما كتبه الشاعر ابن عثيمين -رحمه الله- من أهم ما يسعفنا في هذا المجال حين صور حالة الأمن قبل الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- فقال في ذلك:
فقد كان في نجد قُبَيلَ ظهوره
من الهرج ما يُبكي الصديق تفاصله
تهاوش فيه الناس من كل بلدة
ومن يتعد السور فالذئب آكله
فما بين مسلوب وما بين سالب
وآخر مقتول وهاذاك قاتله
إن هذه الحالات التي سجلها التاريخ لجهود الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في إقامة الأمن واستتبابه على أرض المملكة هي مواقف مضيئة يجب أن نقف عندها بكل تقدير وإعجاب واحترام، حامدين الله سبحانه وشاكرينه على أن وفق صقر الجزيرة لهذا الإنجاز العظيم الذي أرسى دعائمه في هذه الأرض المباركة التي تحتضن وترعى وبكل فخر وشرف بيت الله الحرام والمسجد النبوي وتسهر على راحة ضيوف بيت الله ومن يشدون الرحال إلى مسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
إننا مدينون لسيرة هذا الرجل العظيم ولأبنائه البررة من بعده الذين ساروا على نهجه بما نعيشه اليوم من أمن أرسى دعائمه وأقام صرحه وغرس دوحته حتى صار مضرب المثل وحاز تقدير الخبراء والمختصين وسائر المنظمات والهيئات المطلعة على مسيرة الأمن وما وفرته المملكة من أمن وطمأنينة لضيوفه الكرام موضع تقدير وإعجاب فلا تتوقف عن الإشادة بالجهود التي بذلت من أجله من قبل منظومة الأمن المتكاملة التي يرعاها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -يحفظهما الله- ويقوم على توفيرها رجل الأمن الأول صاحب السمو الملكي وزير الداخلية ورجاله المخلصون.
وأمام هذه الحالة الأمنية في المملكة التي هي مصدر اعتزاز لكل مواطن وفخر لكل صديق فما هو دورنا نحن المواطنين حتى تستمر هذه المسيرة الموفقة بعون الله؟
إن هذا هو موضوع حديثنا القادم بعون الله.
** **
وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام - سابقاً