مها محمد الشريف
يحاول المستعمرون القدامى وعلى رأسهم فرنسا أن يلصقوا بالعالم الإسلامي كل التهم المجحفة التي لا تمت للواقع بصلة، ولأجل ذلك سخَّروا إعلامهم وسياستهم المعلنة والخفيَّة، وتصدر كل المشاهد لينسبوا إليه كل أشكال التطرف والتعصب والإرهاب، بينما يخفون حقيقة أن الاعتدال هو حقيقة الدين الإسلامي وأن التطرف دخيل عليه، بل لأن هؤلاء المستعمرين لهم يد في صناعته وإلصاقه بمجتمعاتنا ليكونوا كالقنابل الموقوتة التي يفجِّرونها ليستمروا بتغلغلهم بهذه الكيفية ومنعها من التقدّم واستغلال ثرواتها، فهم من صنع لنا أعداء بالمنطقة ليشوِّهوا تاريخنا وقيم ديننا ويتصدرهم نظام الملالي الشيطاني بإيران، فمرشدهم الخميني ربيب فرنسا، نقلته بطائرة فرنسية لطهران من باريس وكذلك يدعمون الإسلام السياسي المتمثِّل بالإخوان المسلمين من خلال الحاكم السلطان العثماني وكذلك حزب الله بلبنان والنظام الطائفي في سوريا، ومع كل هذا التزييف والتعتيم على جهود الدول الإسلامية المعتدلة بمحاربة التطرف يأتي صوت من باريس يعتبر أن الإسلام في أزمة.
وقد بلغ الأمر ببعض الشخصيات في فرنسا إلى حد الأسلمة ولا يهمنا ذكر الأسماء بقدر ما يهمنا ما رأى أولئك في النشاط السياسي للحركات الإسلامية الطريق الوحيد المتاح لانتقال المجتمعات الشرق أوسطية إلى الحداثة والتنمية في أعقاب ما اعتبروه فشلاً تامًا للتجارب التحديثية تحت التأثير المباشر للأفكار الأوربية العلمانية والقومية أو الديموقراطية أو الماركسية الطابع، فكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية والدينية تعبر عن موقف رأي المجموعة أو الأغلبية في أي مكان من العالم، وهو من الناحية السيسيولوجية قوة اجتماعية واعية بذاتها، تنطلق من مواقف تقرِّر أن الشأن العمومي ليس حكرًا على السياسيين ويكون في ذاته هو الرأي العام.
وهذا ما تشتغل عليه آليات وسائل الإعلام باعتباره ليس معطى وإنما منتج يعبِّر عن فئة سائدة لها مواقع وتواصل جماهيري وفي موقع مسؤولية، تكشف عن قيمة الأحداث ومستوياتها وفهم الأسباب، وما صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية، الذي دعت فيه باريس حكومات الدول المعنية بحملات مقاطعة منتجاتها والتظاهر ضد فرنسا إلى «وقفها» معتبرة أنها تصدر من «أقلية راديكالية» و»تشوِّه المواقف التي دافعت عنها فرنسا من أجل حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الديانة ورفض أي دعوة للكراهية».
وجاء في بيان الخارجية الفرنسية أن «الدعوات إلى المقاطعة عبثية ويجب أن تتوقف فورًا، وكذلك كل الهجمات التي تتعرَّض لها بلادنا والتي تقف وراءها أقلية راديكالية وتبعها تغريدة لماكرون بالعربية رسالة لتهدئة العالم الإسلامي؟ برفض أي دعوة للكراهية.
أليس من العبث أن يتنازل المرء عن المؤكد في سبيل ما لم يكن سوى أسس حياة جديدة يستخلص منها أعماله وحياته، وبالمقابل يمنع أي حرية للأنظمة العامة وفق القانون الدستوري، ويوقّع على كل القرارات التي تضر بالآخرين وفقَ المادّة الرّابعة من الإعلان العالميّ لِحقوق الإنسان، ولا يعبأ بما يضر عقيدة المسلم ورموزه الدينية، لذلك نقول إن التناقضات ظهرت في بيان الخارجية الفرنسية بداية من رفض أي دعوة للكراهية إلى تجاوز قانون الحرية ووجه قبيح يَجمع بين الإيجابيّ والسلبيّ، وهو قادر على أنْ يَقوم بما يُريد حتى لو تعارض ذلك مع الآداب العامة، وانتهاك قدسية الأديان والأنبياء.
لذا نتساءل: لماذا ارتفعت شعبية اليمين المتطرف مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية، ولن يكون السبب غير غضب شعبي من سياسة ماكرون الاقتصادية وتتمثَّل الإجابة من خلال آلية كل مستهلك لمكانته ومنصبه ككائن عاقل يتحدّد فعله في ضوء حكم متبصّر ورصين، فهو يسلك على نحو واقعي تلك المعطيات في حياته بما لها من تأثير على الحجج العقلية وما شكلته التربية وتحقيق هدف الهوية، فإذا كان مصدر الشر الإسلام السياسي كما قال ماكرون، فعلى فرنسا أن تتناغم مع مفاهيم الحرية التي تكافح من أجلها بتجفيف منابع الإخوان والأحزاب الإرهابية التي وعدت بها.
فهل هم بحاجة إلى ثورة شاملة تصحح هذه المعية التي لا تخلو من مفارقة في الوقت الذي ينظر لها العالم على أنها صورة مغايرة لهذه المجتمعات التي أضحت أحادية تفرض فيها أنماط تفكير حشود غير متمايزة ومحيط لا بد أن ينظّم الحضارة الغربية اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا وثقافيًا.
وإن كان هناك صدى يتردد بأن رغبة فرنسا في تدارك أخطائها السابقة في مجال التطرف على المستوى الداخلي، ولا شيء آخر غير الظل الذي يمر أمامهم بعيداً عن صفة الواقعية ليدخل في سياق سياسي يخدم مصلحة الرئيس الفرنسي الذي يسعى لجذب أصوات اليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة، على الرغم من أن الوضع في فرنسا يمر في عهده بأزمات وتخبطات اقتصادية مهمة، بداية من الشغب والمظاهرات المندِّدة بسياسته من «ذوي السترات الصفراء»، إلى النظرة الشاملة من الفرنسيين بأن ماكرون لا يخدم مصالح الشعب بجميع فئاته.