تمثل جائحة الفيروس التاجي المرة الأولى التي تتخلى فيها الولايات المتحدة عن دورها القيادي في العالم منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية.
لكن لدى الإدارة الأمريكية القادمة فرصة لإعادة الولايات المتحدة إلى دورها القيادي الدولي مرة أخرى من خلال تحقيق طفرة دبلوماسية تضع صوت الشعب الأمريكي في الخطوط الأمامية للمشاركة العالمية.
لقد كان لغياب القيادة الدبلوماسية الأمريكية على مدى السنوات الثلاث الماضية تأثير سلبي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فقد أدى الافتقار إلى قيادة دبلوماسية أمريكية في صراعات رئيسية مثل سوريا وليبيا إلى تسريع تفتيت تلك الدول وخلق دوامة تجتذب روسيا ودول أخرى إلى المنطقة. كما أدى غياب أي مشاركة دبلوماسية جادة على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية لسنوات إلى تصاعد التوترات مرة أخرى، مما يعرض الحدود السلمية بين إسرائيل والأردن للخطر.
أمريكا ليست السبب الرئيسي للفوضى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولا توجد رغبة في الولايات المتحدة أو في المنطقة لمزيد من التدخلات العسكرية.
أمريكا تعاني حاليا من تحديات كبيرة في الداخل لا يمكن تأخيرها وبسبب ذلك ستكون موارد الدبلوماسية والتنمية محدودة، لكنها لا تزال جزءًا أساسيًا من قيادتنا.
لكن أمريكا ستكون بحاجة إلى خطة أفضل من تلك التي كانت تعمل بها منذ عقود.
إن مجرد انتقاد المسار الحالي وإصدار شعارات غامضة تدعو إلى «القوة الذكية» أو «إنهاء الحروب التي لا نهاية لها» لن يفيد كثيرًا في إنتاج إجماع سياسي في الداخل على نهج جديد.
تفتقد هذه الشعارات إلى عنصرين أساسيين هما: إعادة بناء المؤسسات الأمريكية للمشاركة العالمية وتقديم استراتيجية إقليمية شاملة تضع الدبلوماسية في المقام الأول.
يتضمن المكون الأول إعادة بناء قدرات الوكالات المدنية، ولا سيما وزارة الخارجية الأمريكية والوكالات الرئيسية الأخرى المشاركة في المساعدة الخارجية والمشاركة الاقتصادية العالمية.
أحد الإجراءات الفورية التي يمكن أن تتخذها الإدارة الأمريكية التالية هو ملء المناصب الرئيسية التي تتعامل مع المنطقة. لقد استغرقت إدارة ترامب أكثر من عامين لشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بشخص معين من مجلس الشيوخ ولتعيين سفراء في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. علاوة على ذلك، مرت ثلاث سنوات منذ أن كان هناك سفير للولايات المتحدة في الأردن.
لمواجهة التحديات المؤسساتية طويلة الأجل، يجب على الإدارة المقبلة زيادة فرص الالتحاق بالسلك الدبلوماسي. ففي نهاية العام الماضي، كان عدد العاملين في الخدمة الخارجية في وزارة الخارجية مساويًا تقريبًا لما كان عليه قبل 70 عامًا أي أقل من 8000 موظف. هذا على الرغم من التغيرات الجيوسياسية الواسعة التي حدثت خلال تلك العقود، من إنهاء الاستعمار إلى سقوط جدار برلين والحروب المتعددة في الشرق الأوسط، إلى جائحة فيروس كورونا.
تتمثل الخطوة الثانية في ابتكار استراتيجية شاملة للتعامل بشكل شامل مع تحديات المنطقة ووضع الدبلوماسية أولاً. وبالنظر إلى العقد المقبل، يجب على الولايات المتحدة أن تبتعد عن إدارة الأزمات بطريقة رد الفعل وتتجه نحو استراتيجية تزيد من المشاركة الدبلوماسية والاقتصادية مدعومة باستخدام أكثر دقة واستهدافًا للأدوات العسكرية والأمنية. يجب أن تدعم هذه الأدوات الجهود الدبلوماسية الأمريكية لإنهاء النزاعات ومساعدة البلدان على معالجة الضغوط الهائلة من أجل التغيير.
ماذا يعني وضع الدبلوماسية أولاً في المشاركة الأمريكية من الناحية العملية؟
أولاً، يجب على الإدارة المقبلة إعادة الدبلوماسيين الأمريكيين إلى مناصب بارزة مدعومة بمجموعة كاملة من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية لمعالجة الصراعات المتفاقمة في أماكن مثل سوريا واليمن وليبيا. كما يستلزم إدارة فعالة لتحديين رئيسيين آخرين - التوترات بين إيران وجيرانها والصراع الإسرائيلي الفلسطيني - وهذين التحديين يميلان أيضًا إلى إرباك النهج الاستراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة. ويجب أن تنتهج الإدارة القادمة استراتيجية براغماتية تسعى إلى تحقيق تقدم تكتيكي ثابت بدلاً من تحقيق صفقات القرن الكبرى.
كل هذا يرقى إلى مرتبة مهمة وجدول أعمال طويل للولايات المتحدة، لكنه سيستفيد من دروس العقدين الماضيين وسيسعى إلى تطوير طريقة مختلفة للمشاركة تساعد البلدان على مساعدة نفسها. فمن خلال العمل نحو نهج مختلف تمامًا للمنطقة في وقت يعاد تشكيل العالم بسبب أزمة فيروس كورونا، يمكن لأمريكا أن تقلب الصفحة على العقود القليلة الماضية من الإستراتيجية المشوشة والنتائج المختلطة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وإنشاء طريق جديد للتقدم في المنطقة.
** **
- بريان كاتوليس هو كبير الباحثين في مركز التقدم الأمريكي، حيث يركز عمله على استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة والشرق الأوسط وسياسة مكافحة الإرهاب.
- جوردون جراي هو مدير العمليات الرئيسي في مركز التقدم الأمريكي كما عمل سفيراً للولايات المتحدة في تونس في بداية الربيع العربي ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى
- عن صحيفة (ذي هيل) الأمريكية