د.مشاعل عبدالرحمن التمامي
في تسعينيات القرن الماضي، كان دور المرأة السعودية محدوداً ومنحصراً بعملها كمربية أو مدرسة أو طبيبة؛ وفي الحين نفسه كانت خيارات المرأة كثيرة وطموحاتها كبيرة، أو - بوصف أكثر دقة - كان طموحنا كأطفال أكثر اتساعاً، فقد كنا نحلم ونسعى أن نصبح مهندسات وسفيرات وحتى وزيرات كقريناتنا في الدول المجاورة. كان حلماً بعيد المنال؛ فقد نشأت كابنة وحيدة بين أولاد إخوة، أتفاعل مع والدي عن طريق قراءة الجريدة أو مشاهدة الأخبار معه. كنت مهتمة بالأخبار والسياسة العامة وكنت أرى قريناتي من الفتيات لا يشاركنني نفس الاهتمام.
في عام 2013م، تم الإعلان عن دخول المرأة مجلس الشورى ليكون هذا الإعلان نقطة تحول في حياتي وأحلامي وطموحاتي، وليس لدي أي شك في أن كثيراً من فتيات جيلي شاركنني نفس المشاعر. بدأت أشعر باتساع دور المرأة وأن صوت المرأة السعودية سيسمع في أنحاء العالم، مما شجعني على السعي إلى الحصول على درجة الدكتوراه كنقطة البداية لمشروعي الحالم.
بدأت رحلة البحث عن موضوع يتسق مع اهتمامي وفي الوقت ذاته يتعلق بتخصصي الدراسي «اللغويات». كانت محطة الانطلاق هي البحث عن موضوع جديد لم يدرس من قبل، موضوع أخدم من خلاله بلدي أولاً والمرأة السعودية بشكل خاص. وقع الاختيار على دراسة دور المرأة في مجلس الشورى؛ وقد كان هذا الخيار متعلقاً بتفاعلاتي مع السياسة خلال نشأتي. إذ أثار اطلاعي على مجال السياسة فضولي حول طرق الخطابة، وأثر الهوية على الخطاب السياسي وشخصية السياسي المستقلة مما يثبت مدى تأثير الخطاب على مستوى الشعوب والسياسات.
كنت دائماً أتأمل خطابات المؤثرين بدءاً من مارتن لوثر كينج إلى سمو الأمير سعود الفيصل نهاية بالرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما. بدأت دراستي، وكان الطريق مزروعاً بالشوك، وواجهت تحديات كثير تمثل أهمها في جمع البيانات المتعلقة بجلسات مجلس الشورى والتي كانت متوافرة في شكل تسجيلات فيديو فقط. استغرقت وقتا طويلا لإيجاد 16 جلسة تظهر فيها مشاركة المرأة، ليتسنى لي المقارنة بين خطاب المرأة والرجل في المجلس. تلا ذلك نسخ تسجيلات الفيديو في نصوص مكتوبة لتسهيل عملية التحليل وتكوين قاعدة بيانات لجلسات المجلس يمكن تحليلها لغوياً.
تعلقت دراستي بالدورة الأولى للمرأة في المجلس، وتحديداً الدورة السادسة. قمت بجمع البيانات على مدى 4 سنوات من عام 2013م وحتى عام 2017م.
مشاركة المرأة في نقاشات المجلس كانت تعتبر محدودة نوعاً ما، وهذا قد يعزى إلى قلة عددهم الذي كان يشكل20% من المجلس فقط، وهذه هي النسبة الدولية الغالبة لأعداد النساء في المجالس والبرلمانات. خلال دراستي، اكتشفت عائقاً آخر تمثل في عدم وجود دراسة سابقة لخطابات المجلس من الناحية اللغوية، مما دفعني للبدء في بناء نموذج لطريقة الخطابة في المجلس بشكل عام يصور تأثرها بقوانين الدولة والدين والمجتمع السعودي.
مجلس الشورى السعودي الذي يعكس الناحية الديمقراطية للسعودية يختلف عن أي برلمان أو مجلس دولي، حيث إن سلطته محدودة بحيث تكون النقاشات في المجلس محصورة ضمن أجندات للنقاش والتصويت عليها بدون وجود وقت لطرح الأسئلة والحصول على أجوبة كسائر المجالس الأخرى. كما يختلف المجلس عن العديد من المجالس الدولية بتأثره بالعامل الديني والمجتمعي. فعلى سبيل المثال، يظهر الأثر الديني في الخطاب السياسي السعودي في مقدمة المجلس والمستعارة من مقدمة الخطبة الإسلامية بـ»بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بعون الله وتوفيقه تفتح جلسة المجلس». كذلك يظهر تأثير المجتمع العربي والسعودي من خلال استخدام الألقاب الرسمية مثل «دكتور أو سمو الأمير» لمخاطبة الأعضاء.
تمحورت دراستي حول طرق الإقناع في الخطاب السياسي والأدوات اللغوية المستخدمة للتأثير على المستمعين. من أهم العناصر التي لاحظتها في نقاشات الأعضاء هي طرح الأسئلة ليس لهدف الحصول على جواب بل لهدف التقرير أو التعجب، مما يدفع إلى لفت انتباه وإثارة مشاعر المستمع مثل «هل هذا معقول؟». هذه الأسئلة لها أثر عميق في إقناع المستمع بأن هناك أموراً غير واضحة تدعوا للتساؤل. وبحسب دراستي، توجهت المرأة إلى طرح الأسئلة أكثر من زملائها الرجال في المجلس. والسبب المحتمل لهذا التوجه قد يكون في حداثة عضويتهن في المجلس وأنهن أعضاء جدد ولديهم تساؤلات حول المجلس. واللافت في أسئلة المرأة كان في إنهائها بطلب إجابة لها - وليس الهدف التقرير أو التعجب - مما زاد إلحاح وقوة هذه الأسئلة. ونظراً لافتقار المجلس للإجابات المباشرة، يأخذ الطرف المسؤول وقته ويطلب الرد عليها في وقت لاحق، مما يؤخر التواصل في المجلس ويضمن لكل متحدث أن يجهز كلامه قبل الجلسة. العنصر الآخر الذي تطرقت إليه في دراستي هو استخدام الضمائر، خاصة الضمير المتكلم كوسيلة للإقناع أثناء النقاش. أظهرت النتائج أن الرجال يستخدمون الضمائر في نقاشهم أكثر من المرأة، وهذه ظاهرة اجتماعية متعلقة بحديث الرجل حيث إنه يلجأ إلى استخدام الضمائر أكثر من المرأة. كان المثير للاهتمام هو استخدام المرأة للضمير «نحن» لتكوين مجموعة منفصلة عن المجتمع وهي مجموعة جنس النساء.
من خطاب المرأة في المجلس نجد وعيها بسبب وجودها في المجلس لعكس آراء وحاجات المرأة السعودية. وهذه ظاهرة عالمية، حيث إن المرأة في أي منصب سياسي تسعى للمناشدة بحقوق المرأة في المجتمع.
بناء على هذه النتائج، يمكن القول إن المرأة أثبتت وجودها لغوياً في الدورة الأولى للمجلس، نظراً لأن معظم عضوات المجلس من سيدات رائدات في اختصاصهن وفي المجتمع. ومع هذه النتائج يظهر أيضاً تساؤلٌ جديد، هل يتطور هذا الصوت خلال الدورات القادمة؟ فالمرأة في المملكة العربية السعودية تعيش حالياً فترة ذهبية تجلت في حصولها على العديد من الحقوق التي كانت تنشدها منذ سنين. هل ستتأثر لغة المرأة في المجلس وتتوسع لأمور مجتمعية أخرى غير حقوق المرأة؟.