عبدالعزيز السماري
الاقتصاد والعنف خطان لا يلتقيان، ويسيران في اتجاه معاكس، فالمجتمع كلما عاش في سلم، زادت فرص العمل، وتحسنت العلاقات بين الناس، وينعكس تأثير ذلك على التجارة، لذلك تعد الحروب وصراع العصابات والمافيا مؤشرات سلبية على حالة السلم في المجتمع..
لذلك لا يمكن تجاوز ظواهر العنف والإرهاب التي تمر فيها البلاد العربية، فقد تمزقت أحشاؤها لدرجة الدمار في سوريا على سبيل المثال، وكانت النتيجة تدهور لمختلف معايير السلم الاجتماعي، ولكي ينهض الاقتصاد تحتاج الدولة إلى معجزة، وهو ما ينطبق على غيرها من الدول المجاورة مثل لبنان والعراق، فتأثير العنف يكاد يعصف بالدولة في البلدين.
طور معهد الاقتصاد والسلام نظاماً يحسب الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العنف والصراع، ويكسر الأسطورة التي يدعيها الكثيرون بأن الحرب مفيدة للاقتصاد، في حين أن قلة قليلة من الأفراد والشركات قد تستفيد من الصراع، فإن الغالبية تعاني - ليس فقط من الناحية الإنسانية، ولكن أيضًا من الناحية الاقتصادية. على سبيل المثال في عام 2016، خسر الاقتصاد العالمي 14.3 تريليون دولار بسبب أعمال العنف والصراع، وهذا يعادل 12.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو ببساطة 12.6 في المائة من كل ما ينتجه العالم ويستهلكه، وهو هذا قدر هائل من النشاط الاقتصادي يضيع في خلق واحتواء والتعامل مع عواقب العنف في المجتمع، وقد دُمر البعض الآخر بسبب الجريمة المنظمة وارتفاع معدل جرائم القتل، وهو ما يدل أن التكلفة البشرية والاجتماعية والاقتصادية هائلة في كلتا الحالتين. التأثير الاقتصادي العالمي للعنف مرتبط باحتواء العنف، والحد من النفقات العسكرية والأمنية الداخلية، التي رغم أنها ضرورية للسلام، يمكن أن تؤدي أيضًا إلى العنف، فبعض البلدان قد تضطر إلى زيادة الإنفاق العسكري والأمني. لكن لا تعد ظاهرة إيجابية، باختصار يؤثر الإنفاق العسكري الهائل سلباً في الاقتصاد، ويغري بالاتجاه نحو العنف.
حالة الصخب التي تعيشها بعض الدول العربية، ليس مؤهلة لاحتواء السلم والانتعاش الاقتصادي، فالإنسان مهموم بحالة أمنه الشخصي، وسلامة أفراد عائلته، والبلاد الأكثر سلماً وأقل خوفاً يزدهر فيها الاقتصاد، وتزداد فرص العمل بين أفرادها، وهي فلسفة قد يصعب تطبيقها في الشرق، ويحتاج الأمر أولاً إلى تفكيك مكونات السلطات السلبية والمتضادة بين أفراد المجتمع..
لو تأملنا تجارب دول الشمال الأوروبي، والتي هي أبعد ما تكون عن التسلح العسكري والأمني، تجدها في حالة الرخاء فريدة، وتعيش شعوبها في سلام، وهناك ازدهار اقتصادي، وهو ما تفتقده كثير من البلاد العربية، وهي حالة يجب النظر إليها، فالعنف والخوف لا يبني اقتصاد، بل يكسران مجاديفه، ويجعلانه يغرق في ظلمات الإرهاب والعنف والفساد.