ريم الحربي
تتعاقب فصول السنة وتتغيَّر شهورها ويبقى لكل يوم منها علامة فارقة في حياة كل إنسان، وكما هي العلاقة بين البشر والشهور والأيام، للعلم علاقته الخاصة، وتتجلَّى في أسمى أشكالها، حيث يتزيَّن كل علم في مختلف التخصصات بيومه العالمي وتسلّط عليه الأضواء من قبل وسائل الإعلام، وتتصدَّر الوسوم في شبكات التواصل الاجتماعية متغنية بمحتواه ومتزيِّنة بشعاره.
وسبق أن أطل علينا شهر أكتوبر حاملاً لنا في يومه العاشر من كل عام شمعة الإنسانية، حيث يحتفي العالم في اليوم العالمي للصحة النفسية، وشعاره في عام 2020 الصحة النفسية للجميع، والهدف منه هو زيادة الاستثمار في الصحة النفسية.
وتعرف الصحة النفسية بأنها «قدرة الفرد على التوافق مع نفسه ومع المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، وبقدرته على مواجهة الصعوبات والأزمات النفسية، وكذلك إحساسه بالرضا والسعادة».
ويتسم الشخص الشخص ذو الدرجة المرتفعة من الصحة النفسية بسمات عدة منها: الكفاءة، والاتزان الانفعالي، والسلوك السوي، وتكامل الشخصية، والقدرة على مواجهة الصعوبات والتحديات.
وتنعكس هذه السمات على المجتمع الذي ينعم بأفراد يمتعون بصحة نفسية من خلال زيادة إنتاجيتهم وإتقانهم، مما يحقق تقدم المجتمع وتطوره، والمحافظة على ذاتية الثقافية، والتصدي للهجمات الثقافية الخارجية التي تحاول أن تزرع الفتنة والتعصب وتنتزع ثوابته وقيمه.
ومن الواجب أن نسلّط الضوء على شريان الصحة النفسية وهو علم كثر الحديث عنه والإفتاء فيه مما أدى إلى تكدس المعلومات المغلوطة عنه والمنسوبة إليه، فسنحت الفرصة لدخلاء عليه الذين اتخذوه -بكل آسف- تجارة تبنى على مشاكل البشر وآمالهم، ودسوا لهم السم في العسل، وبدلاً من تحقيق أحلامهم زادوا من أوجاعهم ومعاناتهم، لذلك آن الأوان لتشرق حقيقة علم النفس المركزة لتنير بأشعتها الذهبية دروب الإنسانية، وتفتح الآفاق لكل مخلوق على هذه الكرة الأرضية وتكفل له حقه بالتمتع بالصحة النفسية الجيدة بعيداً عن الوصمة التي ترافقه لسنوات.
ومن أولى حقائق علم النفس أنه لا يركز على الاضطرابات النفسية، بل يهتم بالصحة النفسية. ولا يقتصر على تقديم العلاج النفسي، بل يمتد إلى الوقاية وتنمية الإيجابية.
ولا يغير السلوك الظاهر فقط، بل ما يحصل في الداخل من أفكار ومشاعر.
علم النفس ليس وهماً، بل فن وعلم يضاهي بقية العلوم المتعدِّدة. كما أنه ليس جنوناً، بل يرتقي بالإنسان ويكشف عمَّا بداخله من مكنون.
وعلم النفس ليس أسئلة سطحية وتحليلات شخصية، بل امتداد لنظريات نفسية تهدف لفهم وضبط وتنبؤ بالسلوكيات البشرية.
و علم النفس لا يبحث عن الكمال، بل يساعد الإنسان على اكتشاف مواطن الجمال والعيش براحة واستقرار، لذا عمل الأخصائيين النفسيين لا ينحصر داخل أروقة العيادات النفسية، بل في جميع مؤسسات المجتمع.
* أخصائية نفسية