د.محمد بن عبدالرحمن البشر
منذ أن خلق الله الإنسان، وهناك قيم إنسانية مشتركة، وهناك مكارم أخلاق تسمو بها بعض الأنفس فتمتع صاحبها، وتمتع غيرها، وقد تجنب صاحبها كثيرا من المشكلات، أو قد تخلق له مشكلات مؤقتة، أو مستديمة.
الإنسان في طفولته، يتلقى شيئاً من تلك القيم من بيته، وعندما يكبر قليلاً يتلقف تنوعاً كثيراً من تلك القيم من مجتمعه، فيها ما يتوافق مع لمسه من والديه، ومنها نقيض ذلك، وعندما يصل إلى عمر معين يتخذ نهجاً معيناً يتوافق مع ما جبل عليه، مع تأثير المنزل، والمجتمع، فيصبح التنوع لديه كثيراً، لكن في غالب الأمر فإن الجبلة هي التي تمده بسيل كثير من التأثير، يتمثل فيما بعد في بناء شخصيته.
عندما يشب المرء، ويستقل في قراراته ينهج نهجه الذي صنعه مجتمعه، وطبيعته التي ورثها من آبائه، وهذا بدوره ينعكس على تعامله مع من حوله، وما له سلطة عليهم داخل البيت أو خارجه، وهناك مقولة مشهورة «ما خفي من طبائع أظهره الخمر والرئاسة» مما كان خافياً من خلق، فالمخمور إن كان عطوفاً بكى، وإن كان مغبوناً اشتكى، وإن كان عاشقاً استجدى، والرئاسة لها فعل الخمر، فرئاستك للبيت تجعلك تظهر ما خفي لديك من طبائع في تعاملك مع زوجتك وأبنائك، ومن تعولهم داخل البيت وخارجه، وينطبق ذلك على التعامل خارج المنزل سواء كان مسؤوليته الإدارية كبيرة أو صغيرة.
وفي مواقف من مسيرة الإنسان تظهر للمرء مواقف خافية حسنة أو سيئة، أو قد يراها في تعامل الآخرين معه عند موقف معين، فنبل الأخلاق، وسمو النفس والترفع عن الصغائر، وغيرها، تظهر عند البعض، وتختفي عند آخرين، وفي المقابل نجد اللؤم، والتوقف عند صغائر الأمور، والتلذذ بالانتصار على الغير وربما الغدر، والسعى إلى إلحاق أكبر أذى ممكن، دون مردود على الفاعل، يظهر كل ذلك عند الرئاسة سواء كبرت أم صغرت.
هناك من وقع بينه وبين زوجته خلافاً أو مع أخيه، أو شريكه، أو صديقه، وهنا يظهر ما كان باطناً في جبلته وطبيعته، فيشهر السيوف، ويحمل الفؤوس، ويوغر النفوس، ويعقد الحيل، ويكثر الجدل، ويبحث عن الزلل، يحبك كلماته كأنه يقارع عدواً، وينمق وريقاته، متناسياً كل سمو، ويستأسد على من هم أقرب الناس محبة ودنواً.
لو راجع مثل أولئك أفعالهم وأقوالهم، لعلم أولئك أن الأمور أيسر بكثير مما يتخيلون، ولو طرق أصلح السبل لوجدها أقرب إلى الوصول إلى الغاية المبتغاة، دون صراع وشقاق وانهزام وانتصار، واستخدام وسائل الضغط المتاحة.
ما رأيت أحداً قد ربح من إيذاء الآخرين، ولا نجا من عقاب رب العالمين، وسأنقل شيئاً من مسهب الحجازي في موسى بن نصير رحمه الله، فقال: كان قد جمع رحمه الله، من خلال الخير، ما أعانه الله سبحانه به عليه من المجد المشيد، والذكر المخلد، الذي لا يبليه الليل ولا النهار، إلا أنه كان يغلب عليه، ما لا يكاد أحد يسلم منه، وهو الحقد والحسد، وقد قال بعضهم، وليس كبير القوم من يحمل الحقدا، فقلبه أحدهم وقال: «وليس كبير القوم من يترك الحقد» ثم قال: «إن من ترك إضمار الخير والشر والمجازاة اجترئ عليه، وهل رأيت صفقة أخسر من غفله».
وأمر آخر يستحسن إيراده، وهو أن من جبل على فعل الخير و التسامح، ومكارك الأخلاق ثم استغل أحدهم تلك الطبائع للنيل منه، فمن الأولى إلا يثنيه ذلك عن مواصلة التشبث بتلك القيم الرائعة، حتى لو حاول هجرها إلى غيرها، فإنه لن يتقن الخروج لأن ذلك مناف لطبيعته.
أقول هذا ونحن نعيش في عصر تسوده التقنية وتنوع المصالح والحيل، وكثرة التدخلات التجارية، والضغوط الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، لا سيما أن كورونا قد حلت ضيفاً ثقيلاً على العالم أجمع فزادت الحشف سوء كيل، فهناك دول قررت الإغلاق الكامل ما عدا المدارس، ودول أغلقت جزئياً، وأخرى ارتفعت الإصابات لديها، وأصبح العالم في حيرة، والضغوط المالية، والاجتماعية تزداد أثراً في النفوس، والعلاقات بين الأفراد والمجتمعات، لكن لا مناص من الصمود والتوكل على الحي الذي لا يموت، والصبر والحلم والأناة، فلا حزن يدوم، ولا سرور، والله المستعان.