خالد بن حمد المالك
وفي كلمة الأمير لاحظنا استشرافه الواقعي للأزمات التي قد تنشأ في المستقبل، كما حدث في جائحة كورونا، وكما في انخفاض أسعار النفط، ولولا هذا الاستشراف الذي أشار إليه ولي العهد، والتخطيط المسبق استعداداً لما يمكن أن يحدث، لكانت الأوضاع الاقتصادية تتجه نحو خسارة ملايين المواطنين وظائفهم، أي أن هذه الرؤية الاستشرافية رأت أن من الخطورة بمكان أن يكون الوطن واقتصاده رهناً لتقلبات السوق البترولية، ولهذا يؤكد الأمير محمد بن سلمان أن المملكة ستكون من أقل الدول المتأثرة اقتصادياً بجائحة كورونا في مجموعة العشرين بنهاية هذا العام، وأن اقتصاد المملكة يتمتع بكفاءة عالية بعد سلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي أُدخلت عليه.
* *
نعم، لقد انخفضت أسعار النفط بشكل حاد، ففي ميزانية 2020 قدِّرت الإيرادات بـ833 مليار ريال منها 513 مليار ريال إيرادات نفطية، لكن الإيرادات الفعلية من النفط كانت 410 مليار ريال، وهذه لوحدها لا تكفي حتى لتسديد رواتب العاملين بالقطاع العام المقدرة بـ504 مليارات ريال، لكن نجاح الحكومة برفع الإيرادات غير النفطية إلى 360 مليار ساعد على عدم تخفيض الرواتب الذي كان سيصل إلى 30 %.
* *
كلمة ولي العهد تناولت أيضاً مطالبته التوقف عن ازدراء الأديان، وعدم مهاجمة الرموز الدينية والوطنية تحت شعار حرية الرأي، وعدم تأجيج مشاعر الكراهية المفضية إلى العنف غير المبرر مهما كانت دوافعه وأسبابه، والتأكيد على رفض أي محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب، واعتبار الحرية الفكرية وسيلة للاحترام والتسامح وليس للكراهية، محذرًا من خطورة خطاب الكراهية الذي يستخدم حرية التعبير وحقوق الإنسان كمبرر، وخطاب الكراهية المضاد أيضًا، وأن سياسة المملكة ترفض هذا النوع من الخطاب، كما ترفض ما يمكن أن ينتج عنه من ردات فعل عنيفة.
* *
وضمن كلمة ولي العهد تحدث عن تطوير البنية الرقمية، وأن المملكة وضعت استثمارات تجاوزت 55 مليار ريال في البنية الرقمية، وأصبحت الدولة الأولى عالمياً في سرعات الجيل الخامس، ومن ضمن الدول العشر الأول عالمياً في سرعات الإنترنت المتنقل، مما مكَّن الجهات الحكومية والقطاع الخاص خلال فترة جائحة كورونا من استمرار العمل لأكثر من 94 في المئة لهذه الجهات، وأن المملكة تراهن على الكفاءات الوطنية للعمل في المجالات التقنية والرقمية، بدليل أن نسبة توطين الوظائف في هذا القطاع وصل إلى 50 في المئة، وأن إنجازاتها أهَّلتها لتكون في المرتبة الأولى في التنافسية الرقمية على مستوى مجموعة العشرين خلال السنوات الثلاث الماضية.
* *
هناك اهتمامات أخرى ركز عليها الأمير في كلمته تخص الثقافة والترفيه والسياحة وحقوق الإنسان والمناخ ومواجهة التصحر وزيادة الغطاء النباتي والتقليل من موجة الغبار، والاهتمام بحقوق الوافدين وغيرها، ومن بين أهم ما صرح به سموه أن المملكة تستعد للكشف عن مبادرات ضخمة في إطار رئاستها لقمة مجموعة العشرين.
* *
يقول الأمير محمد بن سلمان وهو يتحدث عن أزمة الإسكان: غياب التخطيط، وضعف حوكمة العمل الحكومي، والعمل بآليات تناسب ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، دون إعادة هيكلة البيروقراطية الحكومية، عطّل سابقًا ما كان ينبغي أن يتم، لكن مع الرؤية 2030 التي قادها الأمير محمد بن سلمان نفسه تم إعداد برنامج شامل لإصلاح الاقتصاد، وبسببه تجاوزت البلاد الكثير من التحديات، وبينها الإسكان مثال على ذلك، حيث تم رفع نسبة التملك إلى 60 % بعد أن كان السكن أبرز المشكلات الاجتماعية في المملكة، وأحد الهواجس الرئيسة للمواطن خلال العقدين الماضيين.
* *
ومع أن المرأة تمثِّل نصف عدد سكان المملكة، ولا توجد فوارق بين الرجل والمرأة من حيث التأهيل العلمي العالي، ومع هذا فلم تمكَّن من أي دور لمشاركة الرجل في مواقع المسؤولية على مدى عقود طويلة، بل إنها حُرمت حتى من حقوقها، وعطلت من أي دور يمكن أن تلعبه لخدمة بلادها، غير أن ما حدث ويحدث في عهد الملك سلمان يمثِّل تحولاً كبيراً في التعامل معها، فها هو سموه في كلمته يشير إلى أن المرأة السعودية كانت لا تستطيع السفر من دون تصريح، ولا حضور المناسبات الرياضية والثقافية، ولا تستطيع قيادة السيارة، أو ممارسة الكثير من الأعمال، بل ولا إنهاء قضاياها دون محرم، وأنها عانت من ذلك لعشرات السنين.
* *
أما اليوم، يقول الأمير الشاب، فهي تعيش مرحلة تمكين غير مسبوق، فقد عملنا على تمكين المرأة السعودية في مجال العمل والأحوال الشخصية، وباتت اليوم فعلياً شريكة للرجل السعودي في تنمية وطننا جميعاً دون تفرقة، وأمامها الفرصة لتقود التنمية في وطننا بالمعنى الأشمل.
* *
شكراً سلمان، شكراً محمد بن سلمان.