في الثالث من شهر ربيع الآخر من كل عام تطل علينا ذكرى مبايعة خادم الحرمين الشريفين ملكاً للمملكة العربية السعودية وزعيماً للعالم الإسلامي. ذكرى غالية على قلوبنا يتجدد فيها الحب والولاء الذي توارثه الأحفاد والأبناء عن آبائهم وأجدادهم. يجري هذا الحب في عروق كل سعودي وهو يشعر بالفخر والاعتزاز بالانتماء لهذه البلاد الطاهرة، وقيادتها الحكيمة التي لم تَدخر جهداً للحفاظ على الأمن والسلام الإقليمي والعالمي، والتطوير والرفاه للمواطنين والمقيمين، كما كان يحلم ويخطط لذلك الملك المؤسس -رحمه الله.
اليوم نحمد الله على ما تحقق في ظل حزم وعزم الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الذي أبهر العالم بحزمه في الشدائد وبعزمه الذي لا يلين لقيادة المملكة إلى القمة. لقد استهل عهده الميمون بالقرارات والقفزات التنموية غير المسبوقة نحو مستقبل مشرق للمواطن والمقيم؛ بإشراف مباشر من ساعده الأيمن، ولي عهده الأمين، مهندس التغيير وقائد الرؤية وملهم الشباب الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله- الذي لفت الأنظار من مشارق الأرض ومغاربها بحنكته وحكمته وحماس الشباب بداخله وبرؤيته الطموحة التي شملت شتى المجالات ابتداءً بتطوير الإنسان وحفظ السلام وانتهاءً بتنوع الاستثمار وفرصه وتحسين الاقتصاد لتكون المملكة في مصاف الدول المتقدمة لينعم من يعيش على أرضها بالحياة الكريمة وبالأمن والرخاء، كما ذكر ذلك حفظه الله في عدة لقاءات، وقد وضع رهانه على المواطن السعودي «جبل طويق» لبناء المستقبل، وشجع أيده الله على تكاتف جهود أبناء الوطن للسير معاً لتحقيق الأهداف، والنهوض بالوطن لآفاق الرقي والتطور؛ لكي يحظى الجميع برؤيةِ وطنٍ شامخٍ يحقق ما يصبو له.
شهد عهد الملك سلمان وولي عهده الأمين -سلمهما الله- أكبر إصلاح هيكلي في تاريخ السعودية. ولعل أبرز تلك التغييرات التي حصلت في عهدهما من باب الذكر وليس الحصر، إنشاء مجلس للشؤون السياسية والأمنية يتولى رسم السياسات العامة للدولة، ويكرس مبدأ العمل المؤسسي للتعاطي مع المستجدات السياسية والأمنية. كذلك إنشاء مجلس للشؤون الاقتصادية والتنمية من أجل وضعها في إطار متسق للمساعدة في توحيد الجهود والتوجهات التي تتعلق بالاقتصاد والتنمية، ويزيد من ارتباط الوزارات المعنية بأعمال المجلس وينظم أعمالها لمنع الازدواجية والبيروقراطية وغموض الأدوار، وكلا المجلسين يرأسهما سمو ولي العهد محمد بن سلمان، ونتج عن ذلك دمج وفصل بعض الوزارات والهيئات الحكومية وهيكلة بعض القطاعات واستحداث أخرى للمضي قدماً في تحسين الأداء وتنظيمه.
أعقب ذلك إضافات وتعديلات جوهرية على بعض الأنظمة واللوائح لتسهيل إجراءات الأعمال وحفظ الحقوق ولتيسير برامج التحول الوطني والعمل على تحقيق رؤية المملكة 2030 التي من أبرز أهدافها التنوع في مصادر الدخل والاستثمار وتقليص الاعتماد على صادرات الزيت الخام بتحويله إلى منتجات أساسية ومواد أولية، وإنشاء مشروعات متعددة للطاقة البديلة والمتجددة لتصبح المملكة رائدة ومتصدرة في هذا المجال.
لقد جعلت القيادة الرشيدة صحة الإنسان وحياته الكريمة أولاً، مواطنين ومقيمين على حد سواء، ليحظى الإنسان بالأولوية والاهتمام عبر تطبيق الاحترازات الوقائية وتقديم الخدمات الطبية والعلاج أثناء جائحة كورونا (كوفيد - 19)، كذلك دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والموظفين بها طوال هذه الأزمة لحمايتها من الإفلاس والمحافظة على الاقتصاد وقوته.
ومن جانب آخر، نسمع ونرى الجهود الحثيثة التي تقوم بها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد وهي تباشر قضايا الفساد المالي والإداري بعد التوجيهات والتصريحات المباشرة من سمو ولي العهد لاستئصال الفساد من البلاد ومحاربته بكافة أشكاله في مختلف المجالات والمستويات. والأحداث الرياضية والترفيهية العالمية الكبرى التي استضافتها المملكة لدعم الشباب والرياضة والترفيه والسياحة كان لها الدور الأبرز في صناعة استثمارات جديدة ولفت أنظار العالم للسعودية. كذلك ترسية مشاريع السياحة الضخمة التي بدون أدنى شك ستكون محط أنظار العالم أجمع مثل بوابة الدرعية والقدية ونيوم ومشروع البحر الأحمر.
ولقد كان الحدث الاستثنائي في هذا العهد الجديد هو رئاسة المملكة لمجموعة العشرين بشعارها المحفز «لنلهم العالم بقمتنا»، وهو المنتدى الرئيس للتعاون الاقتصادي الدولي؛ حيث يضم قادة دول من شتى القارات يمثلون دولاً مختلفة، الدول الأعضاء في هذه المجموعة تمثل ما مجموعه 80 في المائة من الناتج الاقتصادي العالمي، ثلثي سكان العالم، وثلاثة أرباع حجم التجارة العالمية، ويجتمع ممثلو ورؤساء هذه الدول لمناقشة القضايا المالية والاجتماعية والاقتصادية. وقد استضافت المملكة أكثر من مئة اجتماع ومؤتمر قبل انعقاد القمة في 21 - 22 نوفمبر الجاري برئاسة المملكة العربية السعودية وبخطة عمل للمجموعة تشمل خطوات مستقبلية نحو النمو القوي والمستدام والمتوازن والشامل.
وفي هذا العهد المجيد قدمت قيادة هذه البلاد للموارد البشرية الدعم الكبير لتنميتها من خلال التطوير المستمر للتعليم والتدريب والتمكين للنهوض بالمجتمع نحو التقدم. وحظيت المرأة بنصيبها من ذلك لتقف بجانب الرجل في مسيرة التطوير والبناء بكل همة واقتدار؛ حيث تمت زيادة نسبة توظيف المرأة في عدة مجالات وتمكينها من العمل في الوظائف القيادية والإشرافية والعدلية، وإعطائها الحق في قيادة السيارة، واستقلالها في إدارة شؤونها والقيام بأعمالها.
قادتنا حفظهم الله يتوقعون ويأملون الكثير من أبناء الوطن، ويعتبرونهم الثروة الحقيقية والمصدر الأساس للتطوير، يقيناً منهم أن أبناء وبنات الوطن هم الحجر الأساس في عملية التطوير لما يملكونه من شغف وطموح. ومما لا شك فيه أن شباب وشابات هذا الوطن الغالي يتمتعون بقوى متجددة وإصرار مستمر نحو تطوير بلادهم وزيادة رخائها وازدهارها في حاضرهم وضمان مستقبل الأجيال المقبلة بهمتهم وسواعدهم وعقولهم وبتحقيق الإنجازات؛ حتى نكون في مصاف العالم المتقدم؛ بل نتفوق عليه علمياً وعملياً في ضوء توجيهات هذه القيادة الملهمة.
ختاماً، بمناسبة هذه الذكرى، السادسة للبيعة، يطيب لي أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات لمقام سيدي خادم الحرمين الشريفين وسيدي ولي عهده الأمين، مجددين لبيعتنا ومعززين لولائنا ومعبرين عن حبنا للوطن وقيادته وشرف الانتماء له والسمع والطاعة لولاة الأمر في المنشط والمكره.
** **
- د. عاقل فارع السلمي
Aalsulami@su.edu.sa