خالد الغيلاني
ولدت الجمهورية التركية الحالية ولادة متعسرة بعد معاهدة لوزان 1923 لتنجو من محاولة التقسيم القاسية وتشهد في عهد أتاتورك المؤسس والرئيس المطلق - الذي أثار موجة إعجاب لدى كثير من القادة مثل رضا شاه إيران والملك أمان الله في أفغانستان وبورقيبة تونس - علمنة جارفة ضد النظام العثماني القديم، تحت مظلة حزب الشعب الجمهوري الوحيد في الساحة، وبعد وفاة أتاتورك عام 1938 استقلت مؤسسة الجيش العسكرية لتقوم بدور المحافظة على علمانية الدولة وفي عام 1945 بدأت تركيا تتنفس قليلا فألمح الرئيس عصمت إينونو إلى ضرورة وجود أحزاب أخرى لإحياء الحياة السياسية في البلاد، ليقوم عدنان مندريس عضو الحزب الحاكم وثلاثة معه بتأسيس الحزب الديموقراطي ويفوز في الانتخابات، وتعود معه الملامح الإسلامية من جديد فينقلب عليه الجيش في 1960 ويحكم عليه بالإعدام.
وتشهد تركيا خلال السنوات اللاحقة مظاهر التطاحن السياسي والانفلات والانقلابات والمواجهات المسلحة وقيام عدد من الحكومات التي لم تلبث أن سقطت سريعًا أمام امتحان سيطرة الجيش، وفى هذه المرحلة تأسس حزب السلامة الوطنية بزعامة نجم الدين أربكان الذي دخل مع بولنت أجاويد (الحزب الجمهوري) في حكومة ائتلافية عام 1974 لتستمر ستة أشهر فقط، وفى أعقاب هزيمة حزب الشعب لصالح حزب العدالة «الأكثر انفتاحًا» قام الجيش بانقلاب جديد في سبتمبر عام 1980 أصيبت البلاد بعده بشلل وانهيار تام حتى كان دستور عام 1982 لتعود الأحزاب مرة أخرى ويفوز حزب الوطن 1989المتكون من جناحين إسلامي وعلماني في الانتخابات في ظاهرة صعود إسلامي جديد حتى نأتي لمرحلة حزب الرفاه وزعيمه نجم الدين أربكان كأول رئيس إسلامي يصل إلى السلطة في عام 1996 ولم يلبث طويلاً ليقع انقلاب 28 فبراير 1997 ويتم طرده من السلطة بتهمة الرجعية ليسجن هو مع مجموعة من قادة حزبه منهم رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية الحالي الذي أسس وجماعة معه بعد ذلك حزبًا جديدًا أطلقوا عليه حزب الفضيلة، إلا أنه لم يسلم من مصير سلفه، ليتولد عنه لاحقًا حزبان تقليدي (حزب السعادة) وتجديدي (حزب العدالة والتنمية) بزعامة رجب طيب أردوغان، ويحسم الانتخابات العامة عام 2002م لصالحه بعد فشل اليسار الديمقراطي بعد 5 سنوات من الانقلاب الأبيض كنتيجة رد فعل على الانقلاب من خلال استخدام شعارات الإسلام السياسي المؤدلجة.
الأردوغانية بين الأمس واليوم
على الرغم من الخلفية الملونة لحزب العدالة والتنمية وسجله غير المتسق في مجال حقوق الإنسان، والحريات فقد حقق بعض الإنجازات التي سرعان ما تلاشت في ظل السياسة الأردوغانية المتقلبة فبعد أن كان المشهد السياسي مستقرًا بعيدًا عن تدخل الجيش مع اقتصاد جيد وعلاقات خارجية متوازنة إلى حد ما إذا بأردوغان يكشف عن وجهه القبيح للجميع فوفقا لتقرير المفوضية الأوروبية الأخير: إن طلب الطرف التركي المتكرر للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لم يقابله بالإجراءات والإصلاحات المطلوبة، وهناك مخاوف جدية بشأن استمرار تدهور الديمقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء مع مزيد من التراجع في كثير من المجالات بدءًا من تحجيم المؤسسة العسكرية والنظر القضائي في عدد من الانقلابات المزعومة منذ مخطط «أرغنكون» الانقلابي 2007 ليصل الأمر أحيانا لنبش الماضي عندما قدمت شكوى للنائب العام يقال فيها إن انقلاب 1997 «الأبيض» الذي أطاح بأربكان يندرج ضمن مادة في القانون الجنائي تنص على أن الإطاحة بالحكومة أو إعاقة عملها تعتبر «جريمة وتبدأ معها سلسلة من التحقيقات والاعتقالات والعزل حتى كان يوليو 2013: ويقوم البرلمان بتحديد طريقة عمل الجيش وعقيدته العسكرية، وذلك في خطوة تسعى لحرمان العسكر من تبرير الانقلابات العسكرية لتظهر سيطرة أردوغان على المؤسسة العسكرية بعد ذلك في ديسمبر 2013 عندما يتعهد الجيش بعدم التدخل فيما وُصف بأنه «فضيحة فساد» تتعلق بالحكومة، ويحكم أردوغان قبضته تماما في يوليو 2016 عندما تقوم قطاعات من الجيش بمحاولة انقلاب عسكري مزعوم نتج عنه فصل الآلاف من وظائفهم واعتقالهم لنرى بعدها تركيا أخرى ابتعدت عن عقيدة الواقعية والتوجه الغربي إلى رغبة عدوانية ونشطة في الأحداث مع رغبة في تصدر الموقف الإقليمي بأي ثمن، ورعاية العالم الإسلامي جبرًا وتصدير النموذج التركي تحت ما يسمى بـ (العثمانيون الجدد) حتى دخلت تركيا في حلقات من الإرهاق والغطرسة والكوارث السياسية بعد أن كان هناك شعار «سياسة المشاكل الصفرية مع الجيران» مع أن الواقع لا يوجد به أكثر من صورة نمطية لرجب طيب أردوغان صنعتها مواقف مفتعلة وخطابات شعبوية وكأن البعد الجماهيري كاف لوحده لخلق نجاح تركي داخلي أو خارجي حقيقي أو وضع قدم في المنطقة فبعد خطاب القوة الناعمة والمعايير الديمقراطية، والنجاح الاقتصادي كعناصر فاعلة لنشر صورة إيجابية عن البلاد أصبحنا نرى تركيا منفعلجدا لدرجة الهذيان وغير متوازنة تفتقد للرؤية السليمة ربما كان الماضي العثماني الحاضر بقوة في المخيلة التركية هو من يغيب المشهد أمام أنظار الساسة الأتراك وربما أشياء أخرى سنتعرض لها في هذا المقال، وفي اعتقادي أن تركيا تعاني من أزمة الهوية، فهي كما وصفها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون 1999 دولة على مفترق طرق في حالة أشبه بالتوهان وفقدان الذات فبحكم موقعها الأوربي سعت جاهدة أن تحظى باعتراف أوروبي وهذا ما لم يحدث حتى الآن، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي الذي أدى إلى استقلال خمس جمهوريات تركية في آسيا الوسطى رأتها تركيا فرصة مناسبة بحكم أصولها العرقية لتظهر نوعا من القيادة هناك مع أنه في فترة سابقة كان زعيم تركيا الأول يداهن الاتحاد السوفيتي ويقول (السلام في الوطن السلام في العالم) حتى لا يغضب ذلك العملاق الكبير مع أن كثيرًا من الدول القوقازية نأت بنفسها عن تركيا في ظل الانتكاسات التركية في التسعينيات، وهنا واجهت تركيا أزمة الهوية مرة أخرى كما هو الحال الآن في المحيط العربي، فكثير من الدول العربية إن لم تكن كلها إلا قطر الصغيرة ترفض الوجود التركي وتصر على أن فلسطين قضية عربية عربية فتركيا في أزمة حقيقية لم يجد لها العثمانيون الجدد حلا حتى الآن.
تفكيك النموذج التركي
أكثر المبررات شيوعًا لتقديم تركيا كنموذج هي ديمقراطية النظام في تزاوج الإسلام والعلمانية، ومع ذلك فإن هذه التبريرات لا تقدم الكثير من الحقيقية، فتركيا دولة علمانية وفقا للدستور التركي الحالي، ولم تكن العلمانية وحدها لتكسب النموذج التركي هذا الزخم على العكس من ذلك يستشهد الكثيرون بالعلمانية التركية على أنها عائق أمام قبول النموذج التركي في الشرق الأوسط وبدلا من ذلك المبرر ربما الحقيقية إن تركيا دولة ذات أغلبية إسلامية تعايشت مع العلمانية المفروضة عليها لظروف جيوسياسية وتاريخية وجغرافية مع أننا لا نستطيع أن نجتزئ التجربة التركية من أحداثها المؤلمة خلال القرن الماضي ولا من التجربة الأردوغانية المشوهة حتى نقول مطمئنين إن تركيا تجربة ديمقراطية خالصة فـ»النموذج التركي» يتعلق بالفعل بتواجد الإسلاميين في السلطة السياسية في وضع علماني لم يختاروه بل لم يصنعوه أو يشاركوا في وجوده مع كونهم لا أكثر من حكومة ثيوقراطية ذات أجندة راديكالية خفية لاقت نجاحًا في بداياتها كأي ظاهرة شعبية جارفة لا تقوم على أساس ديمقراطي ولا أدل من النزعة الاستبدادية الموجودة فيها في شخص أردوغان، ولا يلبث أن تزول مع الوقت لذلك شاع في الأوساط التركية أن تاريخ السياسة التركية الحديثة تاريخ منظم من الفساد وأن حزب العدالة والتنمية لم يفعل أكثر من مواصلة هذا التقليد المؤسف ومع كونه إسلاميا إلا أنه فشل في تحقيق «سياسة إسلامية ديمقراطية» إلا في الخطابات والشعارات الإسلاموية وهذه أزمة قديمة في الإسلام السياسي الخطابي الذي غالبًا ما يعزف على وتر الشعاراتية والعاطفية الجماهيرية، ومع أن أمريكا كانت تعقد آمالا كبيرة على تركيا لعزل الجمهوريات السوفيتية السابقة عن موسكو والوقوف في وجه النفوذ الإيراني والراديكالية الإسلامية قبل سقوط الاتحاد السوفيتي وبعد ذلك كبديل للنظام الشيوعي في آسيا الوسطى بعد سبعين عامًا من التخطيط المركزي قابل للاستنساخ في البلدان ذات الأغلبية المسلمة في آسيا الوسطى؛ حتى عدت من قبل جورج بوش الأب ولاحقًا جورج بوش الابن نموذجا للآخرين في وقت عانت فيه أمريكا من الهجمات الإرهابية كما حصل في الهجومين على السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام حتى كانت كوندوليزا رايس تتحدث علنا عن «النموذج التركي كبديل للإسلاموية الراديكالية، فالنموذج التركي السني كان مقبولا كاستجابة للتحديات الدولية والمحلية التيواجهها الشريكان ولم يعد له ما يبرره الآن فالدورة لتي يمر بها «النموذج التركي» هي تعبير عن الطبيعة المتطورة لهذه العلاقة الثنائية وهو ما يعني وجود أكثر من نموذج حسب الحاجة الأمريكية له أو صورة مستنسخة ومعدلة من أردوغان، فالمستقبل حافل بدون شك بكثير من الأردوغانات وما علينا إلا أن ننتظر فأمريكا حاضرة بقوة في تركيا من وقت عدنان مندريس الذي كان يوصف بصديق القرآن وأمريكا وربما أدى السياق الدولي لما بعد 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب إلى الاقتران مع حكومة حزب العدالة والتنمية الأولى في تركيا والغزو الأمريكي للعراق، ففتحت مرحلة جديدة في تمدد «النموذج التركي». في ظل ما يسمى «بصراع الحضارات» وضعت تركيا على أنها «دولة جسر بين الغرب والشرق «.. إلا أنه في العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين بدأت تظهر على السطح «العثمانية الجديدة «. في منحى خطير ومربك للمنطقة متداخلة مع ثورات الربيع العربي فعاد النقاش حول النموذج التركي مع استمرار تركيا طرفا في المشكلة لا الحل مع عجز أنقرة عن تقديم إجابة بناءة لما يحدث في المنطقة مع انجراف داخلي نحو القمع العنيف كما حصل في مظاهرات حديقة جيزي في 2013 لتتحول أنقرة إلى عسكرة القرار السياسي وتدخل في مناطق النزاع وبؤر الصراع وتصب الزيت على النار وهو ما يعني فشل النموذج التركي وهو ما يعني أيضا أن أمريكا التي كانت خلف النموذج التركي في بدايته على المحك الآن، لأنه بدا واضحا أنه مسكون بالماضي ففي بعض الدراسات الحديثة التي حاولت تفكيك فهم داود أوغلو للسياسة الخارجية التركية جاءت إسطنبول المدينة الرائدة في الكوزموبوليتانية الإسلامية في المركز الأول ضمن المدن التي وردت في خطاباته يليها أنقرة فبروكسل ونيويورك ثم مزيج من العواصم لا تشكل وزنا واضحا ولا تعطي انطباعا بأهميتها كالقدس والقاهرة وسراييفو ودمشق. وهذا ما يعكس الأهمية النسبية بدقة لمصالح السياسة الخارجية التركية في ظل حزب العدالة والتنمية، ومع اعتقاد أردوغان الكاذب في نفسه أنه متفوق على أتاتورك والد تركيا الحديثة إلا أنه على عكسه ليس باني دولة إنما باني حركة اجتماعية شعبوية دعمت في فترة من الفترات نظرًا لظروف راهنة من قبل الغرب واتبعت سياسة اقتصادية حرة أعطتها زخمًا معينا، ولأنها لم تقم على أسس ديمقراطية فقد سعت لاحتكار السلطة معتمدة على القومية الدينية - مع نشر الكراهية والخوف كوسيلة - لتتماشى معلأغلبية الجماهيرية أو الجيوب البرلمانية المؤثرة مع عدم انسجامها مع الفسيفساء الاجتماعية وأكثر من ذلك تعمل على تحطيم تماسك البلاد والمكونات المدنية، مما يجعلها أكثر عرضة للانقسام والمخاطر الخارجية في ظل تصاعد اللهجة الحادة تجاه الجميع وليس بعيدا ما يعانيه الأكراد من فظائع كتشريد 500 ألف كردي حسب مصادر كردية، ويصنف كثير من المحللين الغربيين شخصية أردوغان بأنها انتهازية ميكافيلية عندما يصطدم طموحه بحائط صلب فإنه يغير مساره، فلا أتوقع أن يصمد طويلا للضغط الاقتصادي في ظل المقاطعات والعقوبات التي يفرضها العالم من حوله وهنا نتساءل هل تركيا «موضع حسد من العالم العربي». مع تساؤل أحد عناوين CNN عما إذا كان أردوغان قد أصبح «ديكتاتورًا مع استمراره حسب المفوضية الأوروبية في التضييق على السلطة التشريعية والرقابية لمجلس النواب. إنه سؤال يضع مفهوم «الليبرالية الإسلامية» نفسه تحت دائرة الضوء، فهل هناك فعلا ليبرالية إسلامية، إن الطبقة الوسطى أو ما يسمى بالبرجوازية هي كل شيء في تركيا، أما المشاركة البروليتارية المجتمعية فهي معدومة جدًا وهي ما يعني تركز السلطة في فئة محدودة وانعدام أثر النقابات والمؤسسات المدنية في المجتمع، وهنا نسأل هل هذه الثورة المضادة التي قادها النظام المحافظ النيوليبرالي بعد عام 1980 من خلال استيعاب «الكوادر الثورية الإسلامية «. مع اصطلاح هش مع الحالة العلمانية هي ثورة إيجابية أو سلبية هناك مقولة عن ابن تيمية: (إن الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة) فالحكم على تجربة حزب العدالة والتنمية بناءً على انتشار مدارس الأئمة والخطباء أو تحويل متحف آيا صوفيا - الذي كان في العهد البيزنطي كنيسة - إلى مسجد بأنه المظهر الإسلامي الذي يريده الله ورسله من الناس فهو حكم يفتقد إلى الفهم الحقيقي للإسلام، وأما إذا أخذنا الحكم بمنظوره الأعمق ومغزاه الأشمل وروحه الأسمى فسنحكم بكل أريحية أن الثورة التي قادها حزب أردوغان هي ثورة سلبية تماما مع شهادة الواقع أنه لا ديمقراطية ولا حكومة إسلامية في تركيا فقد تداول الأتراك تسجيلات لوزير الاتحاد الأوربي في حكومة أردوغان Egemen Bagis يسخر من القرآن وفي ظل غياب المجتمع السياسي وإعادة انتخاب أردوغان مستقبلا يبقى أن نرى كيف ستستمر «الليبرالية الإسلامية التركية « مع التحديات الراهنة والمشاكل المزمنة في ظلسياسة أردوغانية تريد إسكات الأصوات المعارضة فمن التعديلات الدستورية التي خولت له كل شيء إلى دعوته لـ»تنظيف» مواقع التواصل الاجتماعي وحسب تقارير دولية تتصدر تركيا قائمة الدول التي تطالب بإزالة محتوى من تويتر في تراجع خطير لحرية التعبير مع فرض غرامات ضخمة ومحاكمات لمتظاهرين بتهمة الأنشطة المتعلقة بالإرهاب ولا غرابة في ذلك كله فعن تركيا أردوغان نتحدث.
تعثرات الاقتصاد الأردوغاني
ستظل الصحة الاقتصادية لتركيا في تحد مستمر في ظل الهبوط الحاد لقيمة الليرة التركية وحزمة الإجراءات الجمركية التي اتخذتها أمريكا والعقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي ومقاطعة العالم من حوله وفقا لتقرير مفوضية الاتحاد الأوروبي فإن السياسة الخارجية التركية أصبحت عدوانية بشكل متزايد، وهناك الكثير مما يجري في الداخل ليس على ما يرام. لذلك فإن محاولة أنقرة للانضمام للاتحاد تتلاشى مع استمرار أزمة حوض البحر المتوسط مع اليونان وقبرص مراوحة مكانها مع بلوغ معدل التضخم على أساس سنوي أعلى مستوى له في 15 عامًا ما يقرب من 22 في المائة في ديسمبر 2018 مع وجود نقاط ضعف هيكلية في الاقتصاد التركي بما في ذلك العجز الكبير في الحسابات الجارية، ورصيد الدين الخارجي أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلد، مع تعريض 70 في المائة ينتمون إلى القطاع الخاص لخسارة كثير منهم وظائفهم، وحسب تقارير أوروبية فإن الأقليات في تركيا لا تحظى بالحماية الكافية حيث لا يزال كثير من فئات الشعب الهامشية في مساكن فقيرة للغاية، مع افتقارها إلى الخدمات الضرورية، ومع اعتماد الاقتصاد التركي الحالي على التجارة الخارجية فإن مزيدًا من المقاطعات أو العقوبات يعني انهيارًا محتملا للاقتصاد التركي وأضرارًا جمة لقطاعات واسعة من الشعب حيث تظهر البيانات الحكومية أن الاستثمار الأجنبي انخفض 16 في المائة في عام 2017 عن العام السابق مما يعني أن أردوغان عليه أن يقلق بشكل خاص في ظل سياساته الملبدة بالغيوم مع تصاعد قلق المستثمرين المحليين والأجانب وإذا سألت عن سقوط الأنظمة فسأل عن الاقتصاد المتردي أو فتح جبهات صراع مع الجميع أو وضع الدولة على دولاب خشبي ودفعها إلى صفيح ساخن يشتعل بالجميع كما يفعل أردوغان نفسه.
إسرائيلية أردوغان
هناك سلسلة من الكتب الأكثر مبيعًا للمؤلف التركي الشهير Ergun Poyraz تتحدث أن كلاً من أردوغان وجول كانا «يهودًا سريين» وعندما نشاهد أردوغان في خطاباته أو ردود فعله تجاه إسرائيل يقفز لذاكرتنا القومية العربية في فترة الستينيات وما بعدها التي أرهقتنا بخطابات من النوع العنتري حتى قال عبدالله القصيمي: إن العرب ظاهرة صوتية مع أنهم كانوا أخف حالا من أردوغان، فلم تكن هناك علاقات واضحة للعيان بين إسرائيل وبينهم بخلاف تركيا وإسرائيل الآن فكلا البلدين ودودان لبعضهما البعض منذ فترة طويلة، وكانت هناك علاقات دبلوماسية متينة وتعاون مشترك في الشؤون العسكرية والأمنية. إلا أنه لوحظ في ظل حكم حزب العدالة والتنمية أخيرًا تبادل للكمات كلامية وفي رأيي أنها تدخل تحت السباق الانتخابي في البلدين والمكاسب الشعبية لا أقل ولا أكثر، كما كان في العرض المسرحي بين أردوغان وشمعون بيريز في منتدى دافوس 2009 وقد يبدو للمتتبع أن تركيا أكثر اهتمامًا بالقضية الفلسطينية من كثير من الأنظمة العربية مع أن تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في عام 1949. وكما قلت هي حسابات الشارع لا أقل ولا أكثر ففي عام 1980، احتجت تركيا على ضم إسرائيل القدس الشرقية وإعلان القدس عاصمة أبدية لها وقامت بإغلاق قنصليتها بمدينة القدس فحضور القضية الفلسطينية من قبل أردوغان موجود في الشارع التركي حيث تفاعل قطاعات واسعة منه ومن قواه السياسية خلال الاجتياح الإسرائيلي لمدينة بيروت عام 1982 حتى أن بعض المناضلين اليساريين الأتراك كان منضما لصفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أثناء تواجدها في لبنان في فترة كان الثوار والثورات اليسارية تجتاح العالم ولا ننسى المسيرة المليونية التي خرج فيها الأتراك في مدينة قونيا احتجاجا على إعلان إسرائيل القدس عاصمة لها وهو ما يفسر لنا كثيرًا من السياسات الخارجية التركية إما أن تكون تحت ضغط الشارع أو بهدف التأثير على الشارع في الرهان الانتخابي حتى إن الاتفاق التركي الإسرائيلي بعد أحداث سفينة مرمرة في عام 2016 تضمن أن إسرائيل وتركيا تعودان لعلاقات التطبيع الكامل بما في ذلك تبادل السفراء والزيارات المتبادلة والتعهد بألا تعمل دولة ضد أخرى في المنظمات الدولية كحلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة وفي الاتفاقية جملة (لقد تم هذا الاتفاق في أنقرة والقدس) وهو ما عده بعضهم اعترافا من أردوغان قبل اعتراف ترامب بالقدساصمة لإسرائيل. يذكر أن رجب طيب أردوغان نفسه دافع بضراوة عن السماح بمرور القوات الأمريكية عبر الأراضي التركية خلال حرب العراق في عام 2003 وعن التعاقد مع شركات إسرائيلية لإزالة الألغام من المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا. واستخدامها في الزراعة العضوية لمدة 44 عامًا متهمًا خصومه في البرلمان بالفاشية قائلا: «لا يمكننا الوصول إلى مستقبل مستنير بهذه العقلية المتخلفة». مع شيوع مقولة بين الأتراك: أردوغان يغمز لحماس ولكنه لا يتخلى عن إسرائيل أبدًا». وأكثر من هذا رده على الدعوات لإنهاء العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل: بقوله «نحن لا ندير بقالة. «ربما يكون أردوغان ليس أكثر من ممثل درامي لمسرحية معدة سلفا قفز على بعض الفصول فيها ليضع خاتمة من عند نفسه بعد أن توهم أنه البطل الأول فيها ولم يعلم أن المسرح سيغلق أبوابه أمامه وأن المخرج والمنتج يبحثان عن بطل آخر وأن المشاهدين أصابهم الملل من أدائه الفج.