د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هكذا سمعتهم في بلدي (المذنب) ينطقون التكبيرة في معرض التعجب أو العتاب (اللهْ وَكْبَر عليك) بهاء ساكنة وواو مفتوحة، وربما كانت كذلك في الأذان والإقامة، وذكرتُ في تغريدة على الشابكة أنها تنطق هكذا في نجد ثم تبين لي من إثراء قراء التغريدة الأعزاء أنها مستعملة في مناطق المملكة، والعراق وليبيا وفي اللهجة الحسانية في البلاد المغربية.
وكان لكثرة استعمال التكبيرة على ألسنة الناس أثر في التغير الصوتي الذي نالها، إذ كان لنبر المقطع الأول من لفظ الجلالة أثر في تقصير المقطع الطويل آخره لاعتماد الوقف عليه (ء ـــَــ ل ل ــــَــ ـــَــ ه) فصار (ء ـــَــ ل ل ــــَــ ه)، وأما الهمزة من (أكبر) فلثقلها حذفت في مرحلة سابقة على اعتماد الوقف على الهاء، فتوالت حركتان ضمة وفتحة فاقتضى ذلك إقحام واو فاصلة بين الحركتين، هذا قولي غير أني سأذكر من أقوال القدماء والمحدثين ما يفسر التغير بقلب الهمزة واوًا، ولست أجد علة لهذا القلب، وقول من قال بالإبدال أقرب، ومعنى هذا أن هذه الواو المسموعة ليست حرف عطف كما ظن بعض من غالَوا في النكير على الناس.
كنت أظن أن هذا التحول حديث في عامياتنا حتى أرشدني الأستاذ عمر الصغيّر بقوله «جاء رسم (الله وكبر) هكذا بالمماثلة في نقش ثابت بن يزيد الأشعري المؤرخ بعام 64هـ» وأدرج مع النص صورة للنقش.
وكنت أظن أني أول من عرض لهذا الأمر، ولكن بالبحث وجدت ابن القَطَّاع الصقلي (المتوفى 515 هـ) ذكر ذلك في قوله «وأبدلوا (الواو) من الهمزة إذا انفتحت، وهي مفتوحة. قالوا: الله وَكبر، بواو محضة ليس فيها من الهمز شيء»(1). وقال القرافي (المتوفى: 684هـ) «وَأما قَول الْعَامَّة الله وَكبر فَلَهُ مَدْخَلٌ فِي الْجَوَازِ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ إِذَا وليت الضمة جَازَ أَن تقلب واوا»(2). وكذا ابن جزي الكلبي الغرناطي (المتوفى: 741هـ) قال «وَمن قَالَ (اللهُ وَكبر) بإبدال الْهمزَة واوًا جَاز»(3).
وسبقني إلى ذلك في عصرنا هذا الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وهو من الأصوليين الذين زويت لهم المعارف العربية والشرعية، علّم النحو وشرح بعض متونه، فأجاب رحمه الله وأفتى في صحة استعمال العامة، قال «ولو قال: اللهْ وَكْبر، أبدل الهمزة واوًا، فإن هذا يصح على لغة، يجوز في اللغة العربية إذا وقعت الهمزة مفتوحةً بعد ضَم أن تُقْلَب واوًا، فتقول: الله وكبر، نقول: هذا لا يتغير به المعنى»(4). وقال «وأما ما يقوله بعض الناس: (الله وكبر) فيجعل الهمزة واوًا، فهذا له مساغ في اللغة العربية، فلا تبطل به الصلاة»(5). وقال «وإذا قال المؤذن (الله وَكبر) أي يجعل الهمزة واوًا، فنقول هذا جائز في اللغة العربية، فإذا وقعت الهمزة بعد ضم جائز قلبها واوًا، وعلى هذا فالذين يقولون (الله وكبر) أذانهم صحيح، على أن الأولى أن يقولوا (اللهُ أكبر) بتحقيق الهمزة»(6).
ولست بما ذكرته سوى مفسر لاستعمال العامة غير داع إلى هذا الاستعمال ولا مستحسن له.
... ... ...
(1) ابن القَطَّاع الصقلي، أبنية الأسماء والأفعال والمصادر، ص: 106.
(2) القرافي، الذخيرة، تحقيق: سعيد أعراب (ط1، دار الغرب الإسلامي، بيروت/ 1994م) 2: 168. دلني عليه موقع الإسلام في الشابكة.
(3) ابن جزي، القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية، تحقيق: ماجد الحموي (ط1،دار ابن حزم/ بيروت، 2013م)، ص110. دلني عليه موقع الإسلام في الشابكة.
(4) ابن عثيمين، الشرح الصوتي لزاد المستقنع، 1: 717.
(5) ابن عثيمين، فقه العبادات، ص: 164، بترقيم الشاملة آليا. وانظر: ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، 13: 343.
(6) ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، 12: 167.