محمد عبد الرزاق القشعمي
عرفت الأستاذ المربي عبد الرحمن بن عبدالله الشويعر في مجلس الأستاذ عبد الكريم الجهيمان الأسبوعي، والذي تربطه به مصاهرة فهو زوج إحدى بناته، وكان يشارك بالحديث المختصر المفيد، عرفت أنه كان مديراً لمدرسة (متوسطة ابن خلدون جنوب الرياض)، وكان له تجربة فريدة في تغذية الطلاب، إذ كان أغلبهم أبناء الأحياء الشعبية وأن له أسلوباً تربوياً يحتذى، فدعوته لزيارة مكتبة الملك فهد الوطنية والتسجيل معه ضمن برنامج التاريخ الشفهي، فوافق بعد تمنع، وتم ذلك بتاريخ 8 / 11 / 1420هـ 1999م.
قال إنه ولد بشقراء عام 1358هـ وتعلم بها حتى حصوله على الشهادة الابتدائية عام 1372هـ، التحق بعد ذلك بمدرسة (دار التوحيد) بالطائف، وحصل على شهادة الكفاءة والثانوية سنة 1377هـ، التحق بعدها بكلية الشريعة بمكة المكرمة وتخرج فيها سنة 1382هـ، التحق بدورة تدريبية في الجامعة الأمريكية ببيروت عام 1384هـ ولمدة شهرين بدأ بعد ذلك حياته العملية معلماً في المدرسة النموذجية المتوسطة بالرياض ثم مديراً لمتوسطة ابن خلدون سنة 1385هـ ولمدة ثلاث سنوات، بعدها عمل مساعداً لمدير معهد العاصمة النموذجي بالرياض بتاريخ 11 / 9 / 1388هـ، ومن سنة 1392هـ عمل مساعداً لمدير التعليم بمنطقة الرياض حتى سنة 1394هـ. وتقاعد مبكراً من الخدمة الحكومية عام 1395هـ ليتفرغ لأعماله الخاصة.
وقد زودني بهذه المعلومات التي وردت في (موسوعة تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية في مائة عام) ومصدرها تعليم الرياض.
قلت له الذي يهمني أسلوبك التربوي الذي سمعت به من قبل من آخرين، عندما كنت مديراً لمتوسطة ابن خلدون جنوب الرياض، وهو الحي الشعبي المشهور (منفوحة) وذلك قبل مشروع تغذية الطلاب الذي بدأ تطبيقه بعد ذلك بسنوات.
قال إنه لاحظ بعض الطلاب وبالذات متوسطي الحال أو بصورة أقرب الفقراء يأتون للمدرسة صباحاً دون تناولهم طعام الفطور مما يعرض بعضهم للسقوط أثناء طابور الصباح، كما لاحظت أن بعضهم ينام في الفصل أثناء شرح المدرس، فكنت أراقبهم عن بُعد وأُحاول دراسة حالاتهم النفسية وتتبع مستواهم الدراسي، فوجدت تدني وضع بعضهم الصحي، بدليل تمنعهم عن المشاركة في حصة الرياضة، فعرفت بعد دراسة وتفكير أن أغلبهم وبالذات من يأتي دون تناول طعام الإفطار، وليس معه ما يمكنه من شراء ما يسد به رمقه.. وهذا من أكثر أسباب تدني مستواهم الدراسي، فنقلت هذه المعانات إلى من أثق به من مسؤولي وزارة المعارف.. وكيفية توفير وجبة الفطور لجميع الطلاب – حتى لا يتأثر الفقراء منهم باستثنائهم بالفطور-.
ففكر بعرض الموضوع على بعض الموسرين ممن يسارعون في تقديم الخدمات لمثل هؤلاء رغم قلتهم، لكنه وجد أن مخاطبة شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو)، إذ لديها مدارس لتدريس أبناء عمالها مع تقديم وجبة غذائية لهم. فكتب لمدير فرع الشركة بالرياض عارضاً عليه المشكلة، فبعثت لهم إدارة العلاقات العامة بالشركة عشرة آلاف ريال مساهمة منها لحل المشكلة، ولأن هذا المبلغ لا يكفي فقد طلب مساهمة أبناء الموسرين بالاشتراك الشهري وقدره خمسة ريالات لمدة السنة الدراسية. مع إعفاء أبناء الأسر الفقيرة أو محدودة الدخل.
وبعد تجاوب أسر الطلبة الميسورة بدأ تطبيق الفكرة، فشكلت لجنة من الطلبة بإشراف أحد المدرسين والاتفاق مع أحد المخابز الرئيسة بتزويد المدرسة بثلاثمائة رغيف من خبز (الصامولي)، وشراء بيض وجبن ومربى وحليب.
وصار ينتقى أفضل وأجود طلاب كل فصل يومياً قبيل الفسحة الرئيسة منتصف كل يوم ليعدوا الفطائر، ويغلو الحليب والبيض ويجهزوا الوجبة لتقديمها لجميع الطلبة خلال الفسحة الرئيسة.. وألحق بالوجبة فيما بعد الفاكهة فيعطى كل طالب تفاحة أو برتقالة أو موزة مع الوجبة السابق ذكرها.
وقد لاحظت بعد فترة بداية تحسن مستواهم الدراسي وارتفاع معدلاتهم الدراسية، وانتهت مغالبتهم للنوم أو سقوط أحدهم في طابور الصباح، وحتى الرياضة أصبحوا يتسابقون على حصصها، وقد استمرت التغذية بهذه الصورة مدة بقائي بالمدرسة ثلاث سنوات.
أما الطريف في الموضوع فقد جاء أحد الطلبة المشاركين في إعداد الوجبة في أحد الأيام فقال لي إن هناك شخصاً أسمر اللون يحضر للمدرسة يومياً عند إعداد الفطور ويترك عباءته (بشته) بالسيارة ويدخل الغرفة المخصصة لإعداد الفطور ليساعد الطلبة، وعندما ينتهون من عملهم يغادر المدرسة قبل موعد الفسحة، وقد ترصدت له لمعرفة من يكون؟ فعرفت أنه الأستاذ حمزة عابد مدير عام التعليم بوزارة المعارف.
وفي الختام أقول: من خلال عشرين عاماً من معرفة الشويعر وصحبته وجدت فيه الصدق والصراحة والوضوح، والمبادرة في فعل الخير وما يدخل الفرح والسرور على القلوب. فهو من أول من يسارع إلى حضور المناسبات الثقافية والعامة وعلاوة على هذا فهو لا يتردد عن حضور مناسبات الأفراح، والأتراح، وكان ممن يحضر مجلس الأديب عبد الكريم الجيهمان وغيره، مع تخصيص مساء كل يوم جمعة للقاء أصدقائه ومحبيه، وما زال كثير ممن رافقه وزامله في الدراسة والعمل التربوي يذكرون له مواقفه الإنسانية، ومحبة طلابه له، فهو يقترب منهم بتلمس حاجاتهم ويتعرف على ظروفهم الاجتماعية ومحاولة حلها، وعلاوة على ذلك فهو البشوش والمبتسم في وجه من يقابله.
وسمعت من غيره مدى حب الآخرين له لتواضعه وحنوه وبساطته، وتقربه من الطالب المبتدئ – عندما كان مدرساً- بأسلوب يحببه لمادته ويبسط له شرحها، وهذا له مفعول سحري في قرب الآخرين منه.
ويذكر من زامله في العمل كثيراً من صفاته الحميدة وحرصه على تطبيق النظام على الجميع خدمة للمصلحة العامة وعدم رضا بتخطي التعليمات الرسمية ولهذا نرى أنه رغم جده واجتهاده ومثابرته لم يستمر في الخدمة المدنية وفي المجال الذي تخصص به واجتهد فيه وأخلص له سوى أثني عشر عاماً وكان من أهمها وأثمرها هي الثلاث سنوات التي قضاها مديراً لمتوسطة ابن خلدون والتي سبقت الإشارة إليها.
وقد لمست هذا منه، فعندما يتعرض لوعكة أو ألم اتصل به للاطمئنان فيبادر هو بالسؤال عن الصحة وكأن المتصل هو المريض لا هو، وعلاوة على ذلك طالبته ورجوته تزويدي ببعض المعلومات عن مسيرته، وعندما علم أنني سأكتب عنه رفض بل رجاني ألا أكتب عنه فهو لا يحب أن يكون تحت الأضواء، ومع ذلك فهو لا يترك ضيفه يخرج إلا بمرافقته وتوديعه لدى الباب الخارجي.
متعه الله بالصحة والعافية،،،