د.شريف بن محمد الأتربي
توقفت في مقالي السابق عند النقطة الرابعة من المشكلات العشر التي تؤثر في التعلم عن بعد وكانت تتعلق بعدم تطوير مهارات الاتصال لدى الطلاب عبر الإنترنت؛ وذكرت أن التعلم عبر الشبكة العنكبوتية لا يعني العزلة عن الجميع؛ وإنما يجب أن يرافقه أنشطة جماعية واستراتيجيات تعليمية تجمع بين الطلاب وتلغي التأثير السلبي للتعلم عن بعد مثل: التعلم بالمشروع، ومن وجهة نظري هو من أهم الاستراتيجيات التي يمكن أن تستخدم في حال تطبيق التعلم عبر الشبكة العنكبوتية.
وتبقى لي ست نقاط وهي:
5- منع الغش أثناء التقييمات عبر الشبكة العنكبوتية أمر معقد.
6- يميل المدرسون عبر الشبكة العنكبوتية إلى التركيز على النظرية بدلاً من الممارسة.
7- يفتقر التعلم الإلكتروني إلى التواصل وجهًا لوجه.
8- يقتصر التعلم الإلكتروني على بعض التخصصات.
9- التعلم عبر الشبكة العنكبوتية غير متاح للسكان الأميين في مجال الحاسوب.
10- عدم وجود الاعتماد وضمان الجودة في التعليم عبر الشبكة العنكبوتية.
وتشير النقطة الخامسة إلى موضوع في غاية الأهمية؛ بل ربما يعد من وجهة نظري هو الأهم في المشكلات التي تواجه التعلم عن بعد ألا وهو التقييم. والتقييم هو عبارة عن نشاط إداري يقيس بدقة مدى تحقيق الأهداف والغايات المطلوبة. إذن المطلوب هو معرفة مدى تحقيق الأهداف والغايات المطلوبة، وفي نفس الوقت نحن نخاف أو بمعنى آخر نشك في مصداقية الاختبارات التي يمكن أن يقدمها الطلاب عن بعد سواء من ناحية عدم الأمانة أو عدم تكافؤ الفرص. وهنا نعود إلى سيرتنا الأولى، هل نريد تعليماً عن بعد أم لا؟ فإن كنا نريد تعليم عن بعد فلا بد أن نجد وسائل تقييمية مناسبة لها تحمل مصداقية القياس وتتساوى في الفرص لدى الجميع. وأجد؛ وكثيراً غيري ممن مارسوا التعليم، أن الاختبار ليس هو المحك الرئيس ولا الأوحد الذي يعطي نتائج للعملية التعليمية وإنما هناك وسائل تقييمية أخرى مثل: العروض، المشروعات، التقارير التي يمكن أن يخصص جزءًا كبيرًا من الدرجة المخصصة لها للمناقشة عبر لوحات النقاش مع الطالب نفسه، وعليه فيمكن أن نضع أقل علامة ممكنة للتقييم عبر الاختبار، كما يمكن أن نستخدم وسائل تقنية تقيس أداء الطلاب أثناءه مثلما تم في اختبار التحصيلي.
وقد وضع كاتبو المقال حلاً لهذه المشكلة يتضمن اتخاذ تدابير لمكافحة الغش من قبل أي مؤسسة تعليمية عبر الشبكة العنكبوتية. وأشاروا إلى أن أكثر أدوات مكافحة الغش شيوعًا والمستخدمة حاليًا في التعليم الإلكتروني هي أنظمة المراقبة عبر الإنترنت مثل: Examity، والتي تستخدم العديد من إجراءات مكافحة الغش مثل التحقق الآلي من الهوية والتعلم الآلي لاكتشاف الغش من قبل الطلاب المتقدمين للاختبار.
والنقطة السادسة هي ميل المدرسين عبر الشبكة العنكبوتية إلى التركيز على النظرية بدلاً من الممارسة، أو بمعنى أدق استخدام التعليم التلقيني بدلاً من تطبيق استراتيجيات التعلم الحديثة التي كانوا يستخدمونها داخل الغرف الصفية وبمساعدة الأدوات التقنية. وأشير هنا إلى أهمية التدريب؛ حيث يعد تدريب المعلمين على استخدام أدوات أنظمة التعلم الإلكتروني والمنصات التعليمية أمراً في غاية الأهمية، فالتحول من التعلم التقليدي داخل الفصول إلى التعلم عن بعد يحتاج إلى إكساب المعلمين مهارات تقنية احترافية وليس فقط التدريب من باب العلم بالشيء وليس الجهل به. فخطط التدريب التي يتم إعدادها للمجتمع التعليمي بكل فئاته ينبغي أن تتواءم مع متطلبات تطبيق نظام التعلم عن بعد وأن يكون التدريب مشبعاً ومتواصلاً وأن يتم قياس المخرجات التدريبية قبل التطبيق الميداني للتأكد من حصول المتدرب على أكبر قدر ممكن من المعرفة التقنية والمهارات التطبيقية وليس فقط الحد الدنى للاستخدام.
وقد وضع كاتبو المقال حلاً لذلك من خلال تنفيذ مشاريع الطلاب العملية جنبًا إلى جنب مع توجيه الحضور المباشر، حيث إنها من أكثر الطرق فعالية لتطوير المهارات العملية لدى الطلاب عبر الإنترنت. وذكروا أن هناك العديد من الأمثلة للدورات التدريبية الناجحة القائمة على الممارسة عبر الإنترنت على منصات مثل Udacity وSpringboard.
والنقطة السابعة هي افتقار التعلم عن بعد إلى التواصل وجهًا لوجه، وهو ما يفقد بعض الطلاب حماسهم للتعلم خاصة أولئك الذين يهتمون بالتعزيز الإيجابي أمام الجميع. ويمكن حل هذه المشكلة من خلال استحداث أدوات تعزيز وتحفيز للطلبة تخرجهم من حالة الجمود أو الفتور نحو التعلم عن بعد، كما ينبغي على المعلمين أن ينوعوا في آلية تقديم دروسهم ومراعاة اختلاف فئات المتعلمين، وأن يوفروا أنشطة تفاعلية لحظية تربط الطلاب بالحصص وبزملائهم وتقضي على العزلة والملل.
وقد وضع كاتبو المقال حلاً لهذه المشكلة من خلال التوصية باستبدال التواصل وجهًا لوجه بطريقة أخرى للتواصل. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد محادثات الفيديو ولوحات المناقشة وغرف الدردشة في التعامل مع الآثار السلبية المرتبطة بنقص التواصل وجهًا لوجه أثناء التعلم عبر الإنترنت.
والنقطة الثامنة، هي النظر إلى التعلم عن بعد أو التعليم الإلكتروني بأنه يقتصر على بعض التخصصات، وهذا القول يمكن الرد عليه من خلال الممارسات التي تمت خلال تعليق الدراسة وقت جائحة كورونا، حيث تم الاستفادة من إمكانات أدوات التعلم الإلكتروني لتدريس كافة المواد الدراسية، بل التنويع في الوسائل التعليمية المستخدمة. ولعل رحلات سكايب خير دليل على إمكانية التطبيق في المواد النظرية، ومواقع المعامل الافتراضية خير برهان على التطبيق في المواد العلمية العملية.
وقد أشار كاتبو المقال إلى حل لهذه المشكلة- إن وجدت من وجهة نظري- بالنسبة لبعض التخصصات مثل التعليم الطبي، يمكن أن يكون التعلم المدمج بديلاً ممتازًا للتعلم الكامل عبر الإنترنت. ففي حالة طلاب التمريض مثلاً، أظهر البحث أن دورات التعلم المختلط أفرزت الاختبارات البعدية نتائج مماثلة لنتائج الدورات التدريبية التقليدية لكن مع زيادة معدلات رضا الطلاب المشاركين بشكل كبير.
والنقطة التاسعة وقبل الأخيرة وهي تتعلق بعدم إتاحة التعلم عبر الشبكة العنكبوتية للأشخاص الأميين في مجال الحاسوب. وأعتقد أن هذه المشكلة يمكن الرد عليها بأننا نناقش التعلم عن بعد والتعليم الإلكتروني لطلاب مراحل التعليم الأساسية والعليا أي أنهم من مواليد ما بعد عام 2000، هذا الجيل الذهبي الذي جاء في عصر توافر كل التقنيات والاتصالات التي ما زالت تتطور حتى الآن، فالقول بوجود طلبة أميين تقنياً أعتقد أنه صعب تماماً إلا في نطاق ضيق وخاصة في البلدان التي تعاني صراعات داخلية ومشكلات سياسية تؤثر في مسار التعليم لديها وتمنع تقديمه كما ينبغي، وهناك العديد من المؤسسات الدولية التي تهتم بمثل هذه الحالات القليلة. وقد قدم كاتبو المقال حلاً لهذه المشكلة من خلال إطلاق العديد من المبادرات التي تهتم بالقضاء على أو تقليل نسبة الأمية الحاسوبية لدى السكان.
والنقطة الأخيرة في هذا المقال وهي تتعلق بعدم وجود الاعتماد وضمان الجودة في التعليم عبر الشبكة العنكبوتية، وهنا ينبغي الإشارة إلى وجود معايير ضمان جودة عالمية للتصميم الشامل للتعليم UDL)) Universal Design for Learning، وهي تهدف إلى استخدام مجموعة متنوعة من طرق التدريس لإزالة أي حواجز أمام التعلم ومنح جميع الطلاب فرصًا متساوية للنجاح. فالأمر يتعلق ببناء المرونة التي يمكن تعديلها وفقًا لنقاط القوة والاحتياجات لكل طالب مما يعود بالفائدة على جميع الأطفال.
وهناك أيضاً معايير خاصة بالتعليم الإلكتروني، بعضها يتعلق بالتقنيات المستخدمة، والبعض الآخر بالمحتوى والمدربين وآليات أخرى لا مجال لمناقشتها هنا.
وتعد هذه النقطة من النقاط المثارة حديثاً في سياق التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد، خاصة مع جائحة كورونا والتوجه إلى مثل هذه الأنظمة التعليمية، وعدم وجود ضوابط تحكمها حتى اختلط الغث بالسمين، وأصبح الجميع مدرباً، وكل المنصات تمنح شهادات، مما يقلل من قيمة ومصداقية هذه الأنظمة ويشكك في قدراتها على تعويض فاقد التعليم لدى المتعلمين نتيجة الظروف القاهرة. ويرى كاتبو المقال أن هناك العديد من المعايير التي يمكن استخدمها لضبط جودة التعليم واعتماده مثل: Creatrix.
وقد وضعت المملكة العربية السعودية معايير خاصة بالتعليم الإلكتروني، حيث تم إعداد هذه المعايير بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (35) وتاريخ 13-1-1439هـ، القاضي بإنشاء المركز الوطني للتعليم الإلكتروني، حيث نصّت المادة الثالثة من تنظيم المركز على وضع اللوائح ومعايير الجودة في مجال التعليم الإلكتروني، لتكون دليلاً لمعايير ضبط جودة التعليم الإلكتروني في جهات التعليم العالي، بما يراعي التكامل مع معايير هيئة تقويم التعليم والتدريب، وتم بناؤها وفق دراسة لأشهر المعايير العالمية، كما تم استطلاع آراء المستفيدين، وعقد ورش عمل لمسؤولي التعليم، مع تحكيم المعايير من خبراء على المستويين المحلي والعالمي.
وتألفت المعايير في نسختها النهائية من قسمين رئيسين، أولهما: معايير الجهات، واشتملت على معايير: القيادة، والتقنية، والتأهيل والدعم، وفيها سبعة وعشرون معيارًا فرعيًا، وثانيهما معايير البرامج، وتألفت من أربعة معايير هي: التصميم، والتفاعل، والعدالة وإمكانية الوصول، والقياس والتقويم، وفيها تسعة وثلاثون معيارًا فرعيًا، كما تم تقسيم المعايير الفرعية إلى أساسي إلزامي (ترخيص)، ومتقدم اختياري (ضبط جودة).
إن جميع مشكلات التعليم الإلكتروني أو التعلم عن بعد أو التعليم الرقمي- بغض النظر عن المسمى- هي في الواقع مشكلات ناتجة عن التطبيق ويمكن لجميع المؤسسات التعليمية تجنب وقوعها وإيجاد حلول مناسبة لها حسب البيئة التعليمية المطبق فيها مثل هذا النظام من التعليم، فما يصلح للتطبيق في المرحلة الجامعية، ليس بالضرورة تطبيقه في مراحل التعليم العام، وفي إطار التعليم العام نفسه يتفاوت التطبيق ما بين مرحلة وأخرى، المهم هنا أن نهتم بمثل هذا النظام وأن نستفيد من كل الإمكانات المتوافرة فيها، ويمكننا أن نجعله جزءاً من نظام التعليم المطبق في أي بيئة تعليمية حتى يعتاد المعلمون والمتعلمون عليه ويكون استخدامه سهلاً وميسراً في حالة التحول إليه بالكامل لأي ظرف من الظروف.
- المصدر https://e-student.org/disadvantages-of-e-learning/