فهد عبدالله الغانم السبيعي
يمكن وصف حالة الانحدار في سياسة الرجل الواحد، التي بدأت تعتري السياسة الخارجية التركية منذ سنوات وعلى مختلف الاتجاهات شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً بأنها كارثية وخطيرة على الاستقرار والأمن الدوليين.
وتكشف خارطة طريق السلطان العثماني ما يدعيه من مثالية وزيف وما تهدف إليه بلاده من الوقوف بجانب الشعوب العربية والإسلامية وهو في نفس الوقت يمارس دور الوصاية عبر رحلة شاقة من أجل العودة إلى الماضي العثماني الذي ربما يبكي عليه أوردوغان بينه وبين نفسه ولذلك هو على استعداد تام بأن يحارب العالم بأكمله من أجل تحقيق ذلك إرضاء لغروره وغطرسته.
هرب أردوغان المقامر للأمام من مشاكله الاقتصادية المستفحلة إلى الفضاء الخارجي متبعاً سياسة (لا أرى ولا أسمع) وهو يظن أنه بذلك لا يعرف أنها عميقة ومعقدة ولن تصمد أمام التحديات الحالية أو المستقبلية فارتفاع نسبة البطالة بين أفراد شعبه وصلت إلى أرقام قياسية، وأن تفشي جائحة كورونا عصف بالاقتصاد وزادته أزمة أخرى، وأن عجز التجارة الخارجية لتركيا تجاوز 192 في المائة وبلغ 4.88 مليار دولار، ولا تزال الليرة التركية تتقهقر، والسياحة شهدت خسائر فادحة بسبب تداعيات كوفيد - 19. علاوة على هذا هناك شعب يتألم من.. جوع -بطالة- غلاء فاحش في المأكل والملبس والسلع الأخرى.
إن أردوغان الذي لم يحير شعبه فقط ولكنه حير نفسه ووضعها في مأزق وبالتالي سيدفعها إلى حافة الهاوية، بسبب طبول الحرب التي يدقها في كل مكان من أجل نهب ثروات الدول، ولكي يمهد الطريق لذلك فهو يقوض الأمن ويطيل أمد الحروب الاستعمارية، آخرها تحويل وجهة المئات من المرتزقة والإرهابيين من ليبيا وسوريا إلى المشاركة في نزاع ناغوري كراباخ للوقوف مع الأذربيجانيين ضد الأرمينيين.
هو بهذا لا يرى أمناً ولا استقراراً ولا تنمية ولا اقتصاداً مزدهراً، ولا حتى علاقات دولية يسودها الاحترام والتقدير وعدم التدخل في شؤون الآخرين، بل يرى (جذوراً عثمانية) ويصف نفسه بأنه أردوغان باشا الأول؟!!. ومن الجانب الآخر فهو غريب بسبب انغماس هذا السلطان بتشييد القصور فهو يمتلك أكثر من 7 قصور رئاسية، بينها 5 في إسطنبول، فضلا عن القصر الأبيض في أنقرة، وقصره الصيفي في موغلا.
أيضاً الرئيس التركي يعاني من معضلة ليست بالجديدة ولكنها تزداد شدة يوماً بعد يوم وهي تكمن في أن هذا الشخص لا يستطيع أن يبقى محايداً قيد أنملة؟. بل يلهث خلف مغامرات غير محسوبة في أولها نيران تحترق وفي آخرها نفق مظلم ليس له نهاية. إنها أضغاث أحلام أردوغانية ومطامع عثمانية تلهث نحو زعزعة الاستقرار وإذكاء نار الفتنة والاضطرابات وصلت حتى منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في شرق المتوسط بمياه تابعة لقبرص واليونان.
عاش السلطان أوردوغان على تبني مواقف عدائية واستبدادية على نحو متزايد تارة، وباستعراض للقوة تارة أخرى. ثم مضى إلى تبني سياسة فاشلة يقاسمه فيها حلفاؤه (إيران وقطر وحكومة ما يسمى بالوفاق الليبية). وهذه السياسة هدفها ممارسة نفوذهم (الجيوسياسي) عبر دعم جماعة الإخوان المسلمين والمتطرفين من (فجر ليبيا) و(حركة حماس) و(جيش الفتح) في سوريا وغيرها الكثير من المنظمات الإرهابية والحركات المتشددة. هذه بلا شك تحمل أبعاداً إيديولوجية بحتة.
(موسيليني تركيا) كتاب مفتوح يحتوي على أبواب من الشرور تجاه الفئات الأضعف في الدول التي تدخل فيها بشكل سافر، وانتهك سيادتها وشارك بشكل شخصي في الفوضى الجيوسياسية والإنسانية التي عصفت بسوريا وبالتحديد الشمال السوري الذي احتله بالكامل في عام 2019م، أما تعامله مع أكبر هجرة جماعية منذ الحرب العالمية الثانية للاجئين السوريين الذين فروا من براميل جيش الأسد المتفجرة وواجهوا ظروفاً معيشية سيئة جداً، لم يكترث أردوغان بهم وزج بهم في العراء دون مأكل أو مشرب ولم يعاملوا معاملة إنسانية أو ينالوا حتى كرامة يستحقونها. بعكس الموقف المشرف الذي عاملتهم به جزيرة (ليسبوس) اليونانية والتي تبعد ستة أميال فقط عن الساحل التركي والتي وفرت لهؤلاء اللاجئين الذي يتدفقون على أوروبا ملاذاً آمناً.
أعمال الرئيس العثماني التي تغذي الإرهاب وتبث الفرقة والانقسام وشق الصفوف فما تعيشه ليبيا الشقيقة من فوضى سياسية وتداعيات عسكرية هي بسبب تدخلات أوردوغان عبر مرتزقته ورجال جيشه التركي.
وفي سوريا والعراق يقوم بتدمير القرى ويعيث فيها فساداً وجوراً مع ممارسة القتل والترويع للآمنين، مدعياً أنه يلاحق الإرهابيين والمتطرفين وأفراد من حزب العمال الكردستاني عبر حملات عسكرية يقوم بها بين الفينة والأخرى.
وفي اليمن التي تشهد تمرداً حوثياً على الشرعية اليمنية يقوم هذا المتهور بمحاولة دعم حزب الإصلاح اليمني الذي يعد امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين الذي يستضيف في تركيا عدداً كبيراً منهم ويوفر لهم بيئة خصبة من أجل هدف يسعى إليه.
في عام 2016م قام الرئيس التركي بالتوصل لاتفاق مع إسرائيل من أجل تطبيع العلاقات معها بعد ست سنوات من الجمود السياسي الذي اعترى علاقات البلدين بسبب نشوب أزمة بعد قتل البحرية الإسرائيلية ناشطين أتراك أثناء توجههم إلى قطاع غزة على متن سفينة المساعدات التركية (مافي مرمرة) وكان هذا الحادث في عام 2010م هو امتداد لسلسلة من مغامرات أوردوغان الفاشلة بالطبع.
اعتذر أوردوغان لروسيا عام 2015م بسبب إسقاطه لطائرة روسية في الأجواء السورية وهي من نوع (قاذفة سو - 4) ومقتل طيارها. وكان الرئيس التركي يرفض الاعتذار طوال سبعة أشهر فرضت فيها موسكو مجموعة من العقوبات الاقتصادية ضد أنقرة بسبب هذه الحادثة شملت قيوداً على الصادرات والواردات، كما علقت تأشيرات السفر بين البلدين، كل هذه التداعيات بسبب سياسته الفاشلة والتي ألقت بظلالها سلباً على الاقتصاد التركي. بعدها شرع أوردوغان في محاولة لتحسين العلاقات مع روسيا والاعتراف بخطئه الفادح.
تلاسن رجب طيب أردوغان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز ودخل معه في نقاش حاد حيث اتهم أردوغان إسرائيل بقتل الفلسطينيين ثم قام بعد هذا التلاسن الذي حدث في منتدى دافوس الاقتصادي لعام 2009م بالانسحاب بعدها بأيام قدم أوردوغان اعتذاراً وتأسفاً لشمعون بيريز متراجعاً عن كلامه الذي أدلى به على مرأى ومسمع ضيوف المنتدى العالمي الرسمي.
مراوغات أردوغان وفلسفته الزائدة وعدوانيته ومراوغاته السياسية ووعوده الكاذبة تعرض لها الكاتب الأمريكي دانيال بايبس، الذي رأس في وقت سابق منتدى الشرق الأوسط لعدة جوانب من شخصية الرئيس التركي غير المتوازنة في مقال سابق نشرته صحيفة «الواشنطن تايمز» الأمريكية تحت عنوان (أوردوغان يقامر ويخسر) أورد للقارئ الكريم فيما يلي جزء مهم منه:
يقول بايبس: هيمن أوردوغان على مقاليد السلطة في تركيا عام 2002م وبعد سنوات من ضبط النفس والتواضع، ظهر الوجه الآخر لأردوغان، وجه ملىء بالعدوانية وبعيد عن الديموقراطية، مع تبنيه للكثير من الممارسات الطاغية التي أدخلت البلاد في كثير من المشكلات التي كان من الممكن تجنبها.
ويزيد بايبس بقوله: «تبنى أردوغان نظريات المؤامرة والفساد وقصر النظر وعدم الكفاءة مما أثر بشدة وأرهق كاهل الاقتصاد التركي».
كل ما سبق آنفاً هو جزء يسير من سياسة المخادع أردوغان وما خفي أعظم؟. وهذه سياسة خالف تعرف وكذلك الخروج على المألوف. ليذهب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية إلى الجحيم فتركيا الدولة بحاجة إلى فتح دروب واعدة تحمل بصمات لا تخلو من المهارة والبراعة لا تمتلكها الحكومة التركية الحالية لأنها لا تقبل الواقع ولا تعترف به بتاتاً. لذا من واجبنا وضع النقاط على الحروف تجاه مثل هذه الأمور الصبيانية التي يسلكها بتهور رجب اردوغان واندفاعه في كل اتجاه لبث الفوضى الخلاقة والكراهية وملاحقة خصومه والانتقام منهم سواء بالتصفية الجسدية أو الزج بهم في غياهب الجب.
رغم أن ما ذكرناه ليس كافياً فهو غيض من فيض لأمور يندى لها الجبين ويشيب لها الرأس. نقول وبصراحة متناهية وواضحة وضوح الشمس بأن (بذور) انهيار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه حزب (العدالة والتنمية) تكمن في الداخل التركي وليس خارجه. واليوم إن كانت إيران المجوسية تمثل تهديداً وجودياً لأمن واستقرار الشرق الأوسط برمته، فإن تركيا بعثمانية أردوغان ستكون هي المهدد الآخر مستقبلاً. وإن غداً لناظره قريب.