الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
يحرص الإسلام على إشاعة أجواء الطمأنينة، وعدم ترويع وتخويف الآخرين، وإن كان من باب المزاح والفكاهة.
والخوف انفعال، يؤدي لسلوكيات تؤثر في حياة الإنسان. ولقد زادت في الآونة الأخيرة ظهور حالات من الخوف، التي تعـتبر شكلاً من أشكال القـلق، التي تتميز بحدوث نوبات الذعر «الخوف» المتكررة والمفاجئة والمصحوبة بأعراض متعددة.. ولا تقتصر على الصغار دون الكبار، أو الذكور دون الإناث.
ولنتعرف على المنهج السليم لمعالجة مشكلة الخوف التقينا مختصَّين في الشأن التربوي والطبي، فماذا قالا؟
المنهج التربوي
تقول الدكتورة منى بنت علي الحمود، الحاصلة على الدكتوراه في فلسفة التربية قسم السياسات التربوية: إن دراسة الفكر التربوي تُعد من الأمور الضرورية للمربين، سواء في المؤسسات الأكاديمية أو مؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى؛ وذلك لما تلقي به هذه المعرفة من ظلالها على زيادة وعي المربين بالسياسات التربوية التي تُستخدم من حين لآخر، وسبر أغوار تداعياتها التي لا بد أن تأتي متسقة مع ما يحيط بالمجتمعات من المتغيرات المجتمعية التي قد تكون التربية وليدة لها. فالفكر التربوي يعبِّر بدوره عن واقع المجتمعات، كما أنه أيضًا أداة لتغييرها؛ فقد كان للعديد من المربين والرسل والأنبياء والفلاسفة والاجتماعيين دور بارز في إحداث تيارات من الحراك الاجتماعي في مجتمعاتهم، قد تصل إلى تغيير خريطة هذه المجتمعات الفكرية كليًّا. ولما كانت أساليب التربية من المحاور الرئيسة التي يرتكز عليها الفكر التربوي، فقد انشغل بها العديد من المربين، واحتلت مساحة ليست بالهينة في أدبياتهم ومؤلفاتهم، وقد لا يكاد يخلو مؤلف من هذه المؤلفات من الإشارة إلى أسلوب الترهيب (التخويف) في التربية، وعادة ما يُشار إليه مع الترغيب، وهذا مما يتفق وطبيعة الإنسان البشرية.. فبقدر ما يكون استثارة الفرد لشيء ماء تكون استجابته أسرع؛ فيتحول هذا الشوق إلى فعل وهمة. وقد رغّب المولى - جل وعلا - في مواطن كثيرة في مُحكم التنزيل بالجنة، واستثار شوق المؤمنين لها، الذي تحوّل إلى عمل ونشاط متعلق بما شُوّقوا إليه.
من جانب آخر، كان الحديث عن الترهيب والتخويف؛ فالإنسان يسير في حياته ما بين الخوف والأمل والرجاء.
الخوف والعقاب
وأوضحت الدكتورة منى الحمود أنه عند الحديث عن الخوف في مجال التربية تحديدًا كأسلوب لها، لا بد أولاً من التفرقة بين الخوف والعقاب.. فمتى ما لبس العقاب لباس الخوف نُزعت منه قيمته التربوية؛ فيخرج من كونه أداة للتربية إلى أداة للتنمر والإيذاء والعنف. من جانب آخر، فالتربية بالترهيب تحتاج إلى المزيد من ضبط الانفعالات والعواطف حتى تحقق هدفها.
كما تجدر بنا الإشارة إلى أن الخوف في أصله سمة طبيعية، وجبلة إنسانية مطلقة. وتشترك مع الإنسان في هذا الشعور معظم الكائنات الحية التي تسعى إلى إيجاد أنواع من التدابير مع بيئتها «كالتموّه مثلاً» خوفًا على حياتها وتأمينًا لمصالحها من الخطر أو التهديد.
وترتبط ردات الفعل تجاه الخوف بمستوى الإدراك؛ فكلما زاد الإدراك والوعي أصبح هناك آلية وتحكم في المخاوف. كما ينبغي علينا ألا ننسى عامل الخبرة والتجربة؛ فالمخاوف قد تكون تراكمات لخبرات وعمليات تعلُّم وتجارب سابقة من جانب، ومن جانب آخر قد تساعد هذه التراكمات من المواقف والتجارب في بناء قاعدة بيانات للإنسان، يعود إليها كلما تعرّض إلى مخاوف مشابهة. فكما يقال: «كل مجهول مهاب». كما أن للخوف ردات فعل مختلفة، منها الإيجابية كحماية النفس والبُعد عن الألم المعنوي أو المادي، كالهروب أو تغيير أمر ما. كما أن منها السلبية، كالاستسلام والإحباط والوقوع في بعض الأمراض النفسية. وقد يلجأ الإنسان للتخلص من مخاوفه من خلال مواجهتها من خلال تحديد العناصر التي يخافها في المواقف، وبعد ذلك البدء في التدرب على الألفة بها. وكما تتنوع ردات الفعل تجاه الخوف تتنوع بواعثه؛ فمنها المستقبلية، ومنها الآنية. ويرى ابن مسكويه أنه ليس من العقل الخوف من المستقبل؛ ذلك أن من سمات غياب العقل أن يخاف المرء ما لم يقع بعد.
ويرتبط الخوف بعوامل نفسية كامنة؛ لذا فمن الأهمية بمكان عند استخدامه كأسلوب للتربية أن يكون قائمًا على الإقناع والبرهان، كما يجب على المربي تحري الصدق والوضوح فيما يخوِّف منه؛ فدمج الخرافات والأساطير لدعم حجة المربي للتخويف من أمر ما قد يزيد الأمر، سواء عندما يكتشف المتربي لاحقًا عدم صدق المربي مما يُفقد هذا الموقف التربوي قيمته المرجوة منه. كما يليق بنا أن نشير إلى ضرورة التوازن في تعاطينا مع التخويف في التربية؛ فالتربية يجب أن تتسم بالوسطية والاعتدال بما يراعي طبيعة الإنسان وطبيعة الأشياء من حوله؛ إذ يجب مراعاة عمر المتربي، وحالته الصحية العقلية والجسدية والنفسية. ويجب علينا أخيرًا أن نميّز بين التربية بالتخويف أو الترهيب، والتربية على الخوف والترهيب؛ فالأخيرة تنم عن جهل المربي وتكاسله؛ فمن السهل أن يمتثل المتربي لفعل ما أو يمتنع عن آخر لمجرد تخويفه؛ فلن يحتاج الأمر لأكثر من جملة أو اثنتين لتحقيق الهدف سريعًا. فالتربية الوجدانية السلبية توظف الخوف في حياة الفرد؛ ليكون هذا الشعور مساعدًا له على تحقيق التوافق مع البيئة التي يعيش فيها، سواء الطبيعية أو الاجتماعية، بل الحفاظ على نفسه جسميًّا ومعنويًّا. وهذا ما لا ينطبق جملة وتفصيلاً على التربية بالتخويف التي قد يستغرق فيها زرع القيم سنوات عديدة.
التشخيص الدقيق
ويؤكد الدكتور أحمد نبيل عبد الفتاح اختصاصي الأمراض الباطنية بمستشفى الحمادي بالرياض أنه في أغلب الأوقات لا يمكن التنبؤ بحدوث هذه النوبات من الذعـر أو الخوف رغم أنها قـد تحدث في مواقف محددة، ونادرًا ما تحصل لدى المرضى الذين تجاوز عمرهم الخامسة والأربعين. وتتميز حالات الذعر «الخوف» الاضطراري بحدوث أعراض حيوية، تشبه الأعراض المهددة للحياة، كالخفقان والتعرق وانطباق الصدر والإحساس بالاختناق وصعوبة التنفس والغثيان والدوار والتنمل أو الرعاش؛ لذا فالعديد من الظروف الصحية أو الأمراض الطبية قد تشابه أعراض اضطرابات الذعر، كالاحتشاء الحاد بعضلة القلب وفرط الغدة الدرقية، والجلطات الرئوية أو القلبية، وعدم انتظام ضربات القلب بأشكاله المختلفة، أو انخفاض معدل السكر بالدم، أو الأعراض التي تحدث عند التوقف عن المسكرات؛ لذا يجب الأخذ بعين الاعتبار أهمية هذه الأعراض، والتقييم الدقيق، وعمل الفحوصات اللازمة للمرضى، خاصة الذين تتجاوز أعمارهم الخامسة والأربعين عامًا؛ لاستبعاد الحالات العضوية الخطيرة التي تتشابه أعراضها مع حالات الخوف الاضطراري.
ويستطرد الدكتور أحمد نبيل عبدالفتاح قائلاً: إنه بعد الوصول إلى التشخيص الصحيح لهذه الحالات يمكن استخدام الدواء والمعالجة النفسية والسلوكية مع المرضى الذين يعانون هذه الاضطرابات. وقد تم الكشف عن فاعلية بعض الأدوية في الدراسات الطبية المختلفة، وغالباً ما تؤدي إلى نتائج جيدة بعد أيام أو أسابيع من بداية العلاج، ولكن في كل الظروف يجب أن يكون العلاج تحت إشراف الطبيب المختص بالحالات العصبية.