عبد الله باخشوين
** من أغرب (الحكايات) التي يمكن أن تسمعها، تلك التي كانت (أمي) ترويها لي، عن أخي (رشيد)، الذي جاء بعدي مباشرة، بفارق فترة (حمل البطن).
كانت تسردها عليّ وهي سارحة بطريقة غريبة، تبدو معها وكأنها تروي لي، حلم ليلة (البارحة) رغم تقادم الزمن ومرور السنين.
وحين ترويها تكون في حالة من تأتي إليه (أول الذكرى) فتقوده للمضي فيها بنشوة وذهول.
- وصلنا الرياض، بعد منتصف الليل، بعد رحلة طويلة ومضنية استغرقت عدة أيام، بالشاحنة (العسكرية) التي يقودها أبوك.
هكذا - عادة - تبدأ (الحكاية)... وتمضي:
- كنا (منقولين) للرياض، ومعظم ما في الشاحنة أثاث بيتنا، ومن رحلته (السابقة) للرياض، كان أبوك قد استأجر لنا (بيتاً) في (الحلة).
أنت مسنود على صدري في يد و(رشيد) في اليد الأخرى، وفي أول حجرة دخلتها، وضعتكما، وأسرعت لمساعدة (أبوك) في البحث عن (الفوانيس) لإشعالها - وأنت عارف أمك نظرها على قدها - وحالتنا في ظلام دامس، جعلنا نستغرق وقتاً قبل أن نضيء البيت.
عندما عدت إليكما والفانوس في يدي، سميت بالرحمن من الخوف بعد أن وجدت (رشيد) إلى جوارك و(قماطة) محلول عن جسده.
أخرجت صدري من الثوب وأرضعته وأعدت لفه بالقماط وأجلست (حسن) إلى جواري وتركت أبوك يخرج من الشاحنة ما يمكن أن نجلس، وننام بقية الليل عليه.
بعد عدة أيام شعرت أن صحة (رشيد) ليست كما كانت عليه.. وقدرت أن ذلك من جراء السفر الطويل وتغيير (الجو).
لم ألحظ الفرق وآخذ الأمر بجدية إلا بعد أن عدنا إلى (جدة) بعد أكثر من عام.
كان الولد عليلا وهمدان.. لا يرفع عينه عن وجهي كأنه يريد أن يقول شيئاً.. أو يمضي في اللعب معك وأنت مستلق إلى جواره.. أو يحمله أبوك الذي تعلق به بطريقة غريبة.
كنت أتحدث معه وأقول بحيرة، واعتذار:
- يا رشيد يا ولدي، ما عرفت لك دواء.. لا تكون تبغي تسيبني وتموت..؟
فيرخي عينيه بخجل، عندها قررت أن آخذه لشيخ.. دون أن يعلم أبوك خشية أن يقول الشيخ كلام لا يعجبه وهو متعلق به ولا يرى في البيت أحدا سواه.
قال الشيخ، قبل أن أقول له أي شيء:
- يا بنت الحلال هذا مهو ولدك، دخلت بيت ظلام وتركتيه.. سكان البيت ولدهم مريض أخذوا ولدك وأعطوك ولدهم.. الله يعوض عليك ويجبر خاطرك.
مات وعمره ثلاث سنوات... و... تركني ألعب، مع حسن، وربما كان تعلق أبي وأمي بي، هو هدية رحلة حياته القصيرة...!؟