د.عبدالله بن موسى الطاير
قمة العشرين التي استضافتها المملكة ليست مناسبة احتفالية، وإنما هي اجتماع عمل من العيار الثقيل، بل هي الأقوى تقريبًا على اعتبار أنه لا توجد قمة ينتظم فيها قادة العالم أجمعون في وقت واحد وحول طاولة واحدة، ولو كانت افتراضية.
هناك قمم متخصصة، تجمع قادة العالم حول موضوعات أقل أهمية من الاقتصاد، ولكن في الغالب ترتب فيها كلمات القادة على بضعة أيام، ونادرًا ما يلتقون في الوقت عينه والمكان.
قمة العشرين يجتمع لها قادة أكبر عشرين اقتصادًا عالميًّا، يمثلون ثلثَي سكان العالم، و85 % من حجم اقتصاده، و75 % من التجارة العالمية. إنها قمة الأقوياء في عالم اليوم، يستضيفها العالم العربي لأول مرة، والشرق الأوسط للمرة الثانية.
وعلى الرغم من أنها قمة اعتيادية في دورية انعقادها فإنها استثنائية في ظروفها. فعندما تسلمت المملكة القمة من اليابان عام 2019م كان العالم على غير حاله الآن، لكن بداية عام 2020 جاءت بكوفيد-19 الذي عطل الحياة، وبخاصة الاقتصاد.
ولتصور فداحة الضرر الاقتصادي فإن الجائحة ألحقت بأكبر اقتصاد في العالم - وهو الاقتصاد الأمريكي - ما لم تلحقه به الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك هزيمة ألمانيا واليابان، وإعادة إعمارهما. لقد تجاوز الدين الأمريكي ضعف خسائره من الأزمة الاقتصادية عام 2008؛ إذ بلغ حجم الدين الأمريكي بنهاية سبتمبر 2020م 3.3 تريليون دولار. وتسببت الجائحة في تدمير الاقتصادات الصغيرة، وشلت تقريبًا قطاعات خدمية، كانت تشغّل ملايين الرجال والنساء، وبخاصة في مجال السفر والضيافة.
وخلال ترؤس المملكة كان عليها أن تجري تعديلات جوهرية على أعمال القمة ومخرجاتها من خلال تبني حزم اقتصادية والدفع بها في محاولة لضمان تماسك الاقتصاد وانسياب التجارة في هذا الوقت العصيب، مع تحمُّل مسؤولية أخلاقية تجاه الدول النامية والأقل نموًّا، ومن ذلك إدارة فوائد الديون على تلك الدول، إضافة إلى دعم قطاعاتها الصحية بنحو 21 مليار دولار لسد الفجوة بين الأوضاع التي كانت راهنة للقطاعات الصحية، والاستعداد الذي ينبغي أن تكون عليه في مواجهة الوباء.
لقد تسلمت المملكة قمة العشرين في عام العشرين بعد الألفين، ووضعت لها ثلاثة محاور رئيسية، هي: تمكين الناس، وحماية الكوكب، وتشكيل آفاق جديدة تعبر بمنافع الابتكار والتقدم التقني حدود الدول؛ لتنعم به البشرية.
وعلى الرغم من استثنائية الظروف فقد نجحت المملكة في أنسنة اقتصاد الأزمة، ووجهته لصحة الإنسان ودعم معاشه، وضربت مثلاً يعد من أنجح الممارسات في إدارة الأزمة عالميًّا. وبفضل الله ثم هذا الجهد سيكون الاقتصاد السعودي بعد انكشاف الوباء من أقل الاقتصادات تأثرًا سلبيًّا بها.
تدرك المملكة وهي ترأس قمة العشرين أن الدول لن تستطيع مواجهة الجائحة منفردة، ولا بد من تكتلات وتعاون دولي مسؤول. وإذا كان من المتعذر جمع العالم على مشروع واحد فإنه من الممكن جدًّا جمع إرادات هذه الدول العشرين من أجل وضع خارطة طريق لاحتواء آثار كوفيد-19، وبخاصة بعد أن أصبح إنتاج اللقاحات الفعالة أقرب مما كان عليه في بداية كورونا.
فشل الدول العشرين في إدارة الاقتصاد العالمي سيكون بديله حربًا عالمية عندما تتصادم مصالح قوى عظمى مسلحة بأنواع من أسلحة الدمار الشامل على موارد طبيعية محدودة؛ ولذلك فإن مهمة ومسؤولية هذه الدول الأقوى اقتصاديًّا تتمثل في تنسيق إعادة الروح إلى الاقتصاد، والتجارة العالمية، وإدارة الموارد المتاحة بما يعظم الإفادة منها.
وبدون شك، فإن من حسن حظ العالم أن المملكة تسلمت هذه القمة، وعبرت بها واحدة من أشد النوازل التي مرت بالبشرية في العصر الحديث.
وعلى الصعيد الداخلي فقد اكتشف السعوديون أنفسهم وإمكاناتهم وقدرات شباب الوطن وشاباته الذين ألهموا العالم بحق؛ إذ قدموا أفكارًا إبداعية وتواصلاً دوليًّا قلّ مثيله، رغم الظروف الاستثنائية التي رافقت استضافة المملكة للقمة.
وحق لنا أن نفخر بقيادتنا ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، اللذين ألهما الوطن كافة كيف يكون العمل والإنتاج في أحلك الظروف وأشدها قسوة، بمسؤولية، وإنسانية، وتفاعل عالمي اقتصادي وسياسي وثقافي.