عبدالعزيز السماري
أصبح العلم المعيار الذي يقيس تطور الشعوب، ومن أجل تطور العلم لابد من إطلاق حرية التفكير، لأن محاصرة العقل بالخوف والمنع والمقدس تجعل منه في حالة ذعر من التقدم في هذا المجال، ولو رجعنا إلى تاريخنا الماضي والحديث فسنجد مئات الأمثلة التي تقف حائلاً ضد التفكير العلمي الحر، ويكمن في جذورها موقف سلبي من الحضارة الإنسانية. فالعقل تم تكبيله لدرجة أنه تحول إلى خط دفاع ضد التفكير العلمي، وضد إثارة الأسئلة حول الأمور التي شكَّلت عائقاً ضد التطور.
يقدر المجتمع العلم، لأن تطبيق المعرفة العلمية يساعد على تلبية العديد من الاحتياجات الإنسانية الأساسية وتحسين مستويات المعيشة، فالعثور على حل لمشكلات الطاقة، المياه وعلاج للسرطان يفتح مجالات ذات نفع كبير على المجتمع، وغالبًا ما يتم تبرير العلم للجمهور باعتباره محركًا للنمو الاقتصادي، والذي يُنظر إليه على أنه عائد على الاستثمار للتمويل العام.
خلال العقود القليلة الماضية، ظهر هدف آخر للعلم وهو إيجاد طريقة لاستخدام الموارد الطبيعية بطريقة عقلانية لضمان استمراريتها واستمرارية البشرية نفسها؛ كمسعى يشار إليه حالياً باسم «الاستدامة». وغالبًا ما يبرر العلماء عملهم باستخدام هذه الحجج وغيرها - المرتبطة حالياً بالصحة الشخصية والعمر المتوقع الأطول، والتقدم التكنولوجي، والأرباح الاقتصادية، أو الاستدامة - من أجل تأمين التمويل واكتساب القبول الاجتماعي.
يشيرون إلى أن معظم الأدوات والتقنيات والأدوية التي نستخدمها اليوم هي منتجات أو منتجات ثانوية للبحث العلمي، من الأقلام إلى الصواريخ ومن الأسبرين إلى زراعة الأعضاء، وقد تم التقاط هذا التطبيق التدريجي للمعرفة العلمية في كتاب إسحاق أسيموف، التسلسل الزمني للعلم والاكتشاف، والذي يصف بشكل جميل كيف شكَّل العلم العالم، من اكتشاف النار حتى القرن الواحد والعشرين.
مع ذلك هناك تطبيق آخر للعلم تم تجاهله إلى حد كبير، ولكن لديه إمكانات هائلة لمواجهة التحديات التي تواجه البشرية في التعليم الحالي، وحان الوقت للتفكير بجدية في الكيفية التي يمكن أن يسهم بها العلم والبحث في التعليم على جميع مستويات المجتمع؛ ليس فقط لإشراك المزيد من الناس في البحث وتعليمهم المعرفة العلمية، ولكن بشكل حاسم لتزويدهم بفهم أساسي لكيفية تشكيل العلم للعالم والحضارة الإنسانية. يمكن أن يصبح التعليم أهم تطبيق للعلوم في العقود القادمة.
لذلك تعليم العلوم في المدارس يجب أن يعالج كيفية تطبيقنا للمعرفة العلمية لتحسين الحالة البشرية، وإثارة التساؤل عما إذا كان يجب أن يكون البحث العلمي بالكامل في خدمة الاحتياجات البشرية، أو ما إذا كان يجب على العلماء الاحتفاظ بحرية متابعة المعرفة من أجل العلم بحد ذاته.
نُوقش هذا السؤال بشدة منذ نشر كتاب الفيزيائي البريطاني جون د. برنال، الوظيفة الاجتماعية للعلم، في عام 1939، جادل برنال بأن العلم يجب أن يسهم في تلبية الاحتياجات المادية للحياة البشرية العادية، وأنه يجب أن يتحكم فيها مركزيًا من قبل الدولة لتعظيم فائدتها، وقد تأثر بشدة بالفكر الماركسي، لكن عالم الحيوان جون ر. بيكر انتقد هذه الرؤية، مدافعًا عن المفهوم «الليبرالي» للعلم الذي وفقاً لـ «تقدم المعرفة من خلال البحث العلمي له قيمة في حد ذاته». وقد سمي هذا النهج بنهج «العلم الحر».
لذلك يجب أن يتجاوز العلم والبحث العلمي المفاهيم المركزية أو الرؤية الاقتصادية، فالعلم يجب أن ينال حريته من أجل أن يسهم في التطور النوعي بين البشر، فالإنسان أياً كان عليه أن يفكر من خلال العلم، وأن يبحث عن المعلومة بلا قيود، وهو من أبجديات المجتمع المدني، لذلك يجب أن تخرج مراكز الأبحاث العلمية في كل المجالات، وأن ينتقل العلم والمعرفة إلى العقول دون حواجز.