عبده الأسمري
الحرية مفهوم دارج في كل اتجاهات الحياة ولكنه متدرج وسط مفاهيم البشر.. ويخضع لتقييم الذات وقيم المجتمع وقوامة التوجيه..
في أعماق أنفسنا تداهمنا الأسئلة وتواجهنا التساؤلات حول الحرية في منظومة عمر يتغير ويتبدل ونظم حياة تتشكل وتتبدل ونبقى نحن من نرسم أبعاد التعامل وأضلاع المواجهة مع تلك التشكيلات من التغيير وسط بحثنا الدائم عن «يقين» في دواخلنا يحمينا من «الندم» ويكفينا من «التأنيب».
منذ أن خلق الله عز وجل الأرض كان النظام وجها أصيلا للسلامة من الخطأ والوقاية من السوء الذي تترتب عليه العقوبات والعواقب.. وبقي الإنسان في شد وجذب وثبات وتزعزع حول الالتزام.. الأمر الذي جعل تجاوز أسوار المنطق.. فعل غير مشروع تحت عنوان «التلاعب» الذي يصنع المصاعب ويجلب المتاعب.
يجهل الكثير من البشر بثقافة النظام والتكيف مع أبعاده وفرضياته التي وضعت من أجل منع العشوائية ووقف الفوضوية التي تعد جانباً متوقعا في محيط البشر في ظل غياب «الرقيب» لذا يأتي الخلل من خلال تعامل البعض مع الأنظمة من زاوية «الفرض» بعيداً عن رؤية «المنطق».
يرى البعض أن النظام مرتبط بأسس الديانة وقوانين الدولة فقط ويجهل أن هنالك «نظام» داخلي من خلال النفس و«تنظيم» خارجي على ضوء السلوك.. ليكون هو من يستقبل التشريعات ويلتزم بها ويسير في دروبها لان هنالك أخطاء قد لا يكتشفها «رادار» القانون وإنما تبقى في مساحة «الحرية الشخصية» التي قد ترمي الشخص في سوءات مضاعفة وقد يصطدم بعدها بسلطة العقوبة التي ستكون أعظم وأقوى تحت وطأة «الفجائية» وفي مدار «الغفلة».
الحرية مفهوم جميل يفتح للنفس مدارك العيش ومسالك التعايش متى ما كان «التحكم» في مساحة مرنة ترسم مشاهد الأقوال والأفعال بعيداً عن «السلوك الغريب» أو «الفعل المريب» في اتجاهين تفرض الاستغراب والاندهاش وتحتم التهذيب أو التأديب عندما تسير السلوكيات بين قطبي التحرر والانحلال أو التشدد والتطرف.
عندما تتضامن مفاهيم الحرية والنظام يأتي «المنطق» في حلته الباهية وطلته الزاهية ليصنع السلام النفسي والتصالح الروحي بين الإنسان وسلوكه فترتفع مستويات العزيمة وتنخفض معدلات الهزيمة ونصل إلى أسمى درجات الرقي الإنساني وأعلى مراتب السمو البشري.
الرقابة الذاتية تجعل الإنسان أكثر اتزاناً وأعلى توازنا ما بين طرق التفكير ومسائل التدبير وصولاً إلى «التأقلم النفسي» بين الأفكار والقرارات في خضم حياة لا تستثني أحداً من التجارب في حين أن النظام سيبقى العنوان الرئيسي لكل تفاصيل السلوك ويظل المنطق النتيجة الحتمية التي تملأ الشخصية بالقرار الحكيم والاستقرار المستديم الذي تصنعه القناعات الصادرة من قلب «العقلانية»..
يجب أن يكون هنالك تفريق بين ضروريات الحرية المتعامدة على السواء والإيجابية والنفع وسلبيات التحرر المعتمدة على السفه والطيش والتهور.. فالأولى تصل بالإنسان إلى شواطئ «الأمان» حتى وأن تعالت موجات الترغيب وارتفعت حيل الجذب والثانية تهوي به إلى أعماق الخطيئة عندما يقع ضحية الحيل فيسقط في مستنقع السذاجة ووحل الحماقة..
قد ينظر البعض نحو «الحرية» بشيء من الحذر المختلط بالخطر نظراً لوجود «نماذج» مريبة و«شخصيات» مريضة شوهت هذا الجانب بفهم الأمر بشكل «خاطئ» وتوظيفه بطريقة «سلبية» مما غير «النظرة» وبدل «الرؤية» نحو هذا المفهوم الذي اختلط بتحرر مشين وانفلات بائس.
يدعمنا النظام بكل اتجاهاته في القانون والتربية والتنشئة والتجربة في مواجهة احتيال مبطن ومجابهة تزييف خفي صنعته الحضارة التي يجب أن تحترم من خلال المحافظة على «ثبات» الذات والمواظبة على «أُثبات» التقدم مما يحتم أن تكون هنالك إدارة للوعي تصنعها هوية الإنسان ذاته وليس أهواء الآخرين لتأتي النتائج بعدها في اتجاهين إما الرضا في وضع النجاح أو الندم في موضع الفشل.
الحرية مفهوم شامل يشمل «الكلمة» و«الرأي» و«القول» و«الفعل» و«السلوك بكل تفاصيله» لذا يجب أن يكون داخل إطارات من النظام وفي مجال مسارات من المنطق وصولاً إلى «النجاة» من الوقوع في مصائد «السوء» والتي تبقى رهينة لكل مسلك تجاوز «الحدود» وتعدى «المعقول».