إبراهيم بن جلال فضلون
العشرون رقم ليس صحيحاً، وإنما مجازي، فهي لا تضم 20 دولة، وإنما 19 دولة ومنظمة الوحدة الأوروبية بكل دولها الـ27 دولة، وكأن المُسمى أراد خمسينية، لأنها تُمثل بالدرجة الأولى اقتصادات العالم الصناعي، ولا يعنينا ذلك فالهدف الأولي من المجموعة كان حصر عدد أعضائها من أجل أن تكون أكثر فعالية، وتضمن استمراريتها كي لا تضيع مثل غيرها في المتاهة العددية، أو أن تتحول إلى مجرد مُنتدى احتفالي لا فعالية له ولا أثر، بل كانت الغاية الأسمى مواجهة الأزمات الكبرى على وجه السرعة، والحد من مضارها وآثارها، كما حدث عام 2008 ، وتضررت الاقتصادات الصغيرة، بل قطعت كورونا الطريق حتى على كُبرى الاقتصاديات دون أن تفعل شيئاً.
والمملكة لم تصبح عضواً بسبب اقتصادها فقط، ولا لأنها رمز روحي لأكثر أُمة عددية في العالم حوالي ملياري مسلم، وإنما لأنها فرضت بطرائقها وقيادتها الحكيمة لسياسات وأطروحات أعقد، ارتأتها بصيرة رؤية حالمة لأمير شاب تُمثل تجارب نادرة في رسم «الاقتصاد البديل»، وتنويع المصادر وتسريع السعي إلى المستقبل، حتى صارت السعودية عبر بضع سنوات نموذجاً من نماذج التقدم والتطوير في النمو الاقتصادي والعلاقات الدولية، لتتصدر بإنجازاتها وعبورها غير المسبوق بالعالم وفقرائه شباك الوباء الطارئ، وإنشاء مجلس للاستقرار المالي العالمي مع آليات تعزز مهمته في التعاون البنّاء مع صندوق النقد الدولي لتوفير آلية للإنذار المبكر حول المخاطر الاقتصادية والمالية مع توفير آليات للتصدي لمثل هذه المخاطر.
سيجد ضيوف القمة حكاية مسيرة مذهلة من قصص العمران الذي تحدث عنه رائد الفلسفة العمرانية ابن خلدون، والتي عقدت قمتها برئاسة المملكة يومي 21-22 نوفمبر الحالي وشهوده البيعة السادسة لخادم الحرمين الشريفين، لتكون القمة في مدينة الرياض، واجدين زعيماً شاباً يُعلن أن السعودية قادمة برؤية 2030 وبقوة سواعد أبنائها، وعدالة شريعتها بأن المرأة والرجل متساويان في المملكة، وتمكين المرأة بمختلف الوسائل، أبرزها مبادرة (EMPOWER)، ودعم الشمول المالي وخارطة طريق شباب مجموعة العشرين، وإنشاء شبكة عمليات عالمية لسلطات إنفاذ القانون المعنية بمكافحة الفساد مدعومة بمركز إلكتروني متكامل، والأهم أن يستمع قادة أكبر دول إلى كبار العلماء ليُعلموهم أن الانحراف السياسي ليس من الإسلام، وأن الإرهاب ليس من الإسلام والمسلمين، بل هي أنظمة جاهلة بالأديان وأفكارها التي شُرعت من أجل تواصل الحياة، لا للاعتداء على سلامة الغير، وتكدر حياتهم، وتعيق حاضرهم ومستقبلهم، لتقترح المملكةُ إنشاءَ المركزِ الدولي لمُكافحةِ الإرهابِ تحتَ مِظلةِ الأممِ المتحدةِ، وتبرعت له بمئةٍ وعشرةِ ملايينِ دولار، ودعت الدولَ الأخرى للإسهامِ فيهِ ودعمِه لجعلهِ مركزاً دولياً لتبادُلِ المعلوماتِ وأبحاثِ الإرهابِ.
بل ونجحت المملكة بالمساهمة بأكثر من 21 مليار دولار أمريكي لدعم الأنظمة الصحية، والبحث عن لقاح وصل لنتائج مُبهرة، تجعل من هذه الظروف بداية النهاية لكابوس خانق، وُصفت فيه 2020 بأنها عام الوباء، وبداياته بخاتمة شريرة لعام 2019 ، لتقضي عليهما 2021 بعام اللقاح و2022 بأنها عام الخلاص.. ولم تنس القمة الفقراء وتخفيف ديون الدول النامية وجدولتها لما يصل لست سنوات بأكثر من 14 مليار دولار أمريكي، وكذلك ضخ 12 تريليون دولار أمريكي بشكل غير مسبوق لحماية الاقتصاد العالمي. وهذا المبلغ يعادل 4 أضعاف ما تم ضخه في الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008م. والسعودية دولة الأقوياء في هذا العالم، تقود «قمة العشرين»، بقائد استثنائي ورائدٌ فتى، و»الرائد قائد»، فقمة العالم في الرياض تشكل لحظة تاريخية بكل المقاييس، وستبقى نتائجها طويلاً في المستقبل، لأنها بدأت بسقف من الطموحات رسمته البدايات، برؤية 2030 كقوة أثبتت الحراك، بعدد من القرارات والمواقف الثابتة لقوة السعودية وإرادتها السياسية، مما جعلها قادرة على إعادة التموضع في محيطها العالمي، ومنح العالم خريطة طريق للخروج من الأزمة بسلام وبعث أمل وطمأنينة، طال البحث عنهما منذ أواخر 2019 ، لتقود بجدارة القضايا المحورية، ليشهد لها القاصي والداني، وتأكيد المُراقبين والخبراء، أنها قيادة سجلت نجاحًا كبيرًا للغاية، مقارنة بدورات المجموعة السابقة، فهي صانعة قرار مؤثر، تمكنت بقيادتها لجميع الدول المؤثرة من تأمين مسار مُشترك للجميع، يكون مفتاح الباب للعالم بأسره من هذا التحدي الاستثنائي، وغير المسبوق بسلام.