الهادي التليلي
المملكة العربية السعودية القبلة الدينية لكل مسلمي العالم والعاصمة الدينية الأولى بحكم عدد الحجاج السنوي، تستوقف العالم اليوم كقبلة عالمية للعالم الاقتصادي والتنموي، من خلال نجاحها المبهر في تنظيم وتسيير شأن قمة مجموعة العشرين التي تسلمت مشعلها في غرة ديسمبر المنقضي من مدينة أوساكا اليابانية لتبدأ رحلة نجاح شهد بها القاصي والداني.
السعودية وهي تتسلم مشعل رئاسة قمة مجموعة العشرين عدد 15 في تاريخ المنتدى الذي يعد الأول على مستوى العالم العربي والثاني على مستوى الشرق الأوسط تحملت مسؤولية, كانت جهوزيتها الدائمة وتوفرها على بنية رقمية تحتية ووسائل لوجستية, كفيلة بإنجاح هذا الاستحقاق وأكثر، فلم يكن الهدف مجرد إنجاز القمة كمعيار للنجاح بل التميز لحد الإلهام، لذلك اختارت الجهات المنظمة شعار «لنلهم العالم» كرهان لدورة اختير لها محورا مهما ووفيا للحظة التاريخية ويمس العدالة في اغتنام الفرص المتاحة في القرن الواحد والعشرين.
انطلق الاستعداد للقمة وتم وضع خطة احترافية متجاوزة لما فات ومؤسسة لمستقبل أفضل لمنتدى المجموعة سواء على مستوى تنظيم فعاليات اللجان واجتماعات الوزراء والتي تعددت وقائعها في عدد من أماكن مدينة الرياض البهية، وما شجع على هذا الألق هو التقاء محور الدورة مع قيم المملكة وخطتها الاستراتيجية 2030، فكانت مخاضاً سلساً ميزته الإبداعية حتى في تفاصيل التفاصيل لأن هامش الخطأ صفر وهامش النجاح سقف لايرضي صاحبه مهما كان إبداعياً، فكان شعار الدورة الذي صممه الفنان السعودي المبدع محمد الهواس والذي وظف فيه تقنية السدو وهو أحد أنواع النسيج التقليدي السعودي ما يترجم اعتزاز وفخر المملكة بتاريخها العريق وهويتها.
وحتى جائحة كورونا التي حجزت العالم في غرفة عزل طويلة وهددت مصير الكائن وزعزعت اقتصادات وشلت حركات أسواق المال شكلت بالنسبة للمملكة وقيادتها تحدياً هي جديرة بتجاوزه وتحويله من معيق إنجاز إلى تحدي كفاءة ونجاح، فكانت قمة مارس الافتراضية سابقة لم تنظم في أي من دوراتها المنقضية.
السعودية وهي تحتضن قمة بهذه الرسالة لم تكن لتنتظر هذه القمة لتبرز قيمها النبيلة وهي التي استطاعت أن تكون سندا للبشرية خلال أزمة كورونا وكذلك للاقتصاد العالمي واستقراره، من خلال تدخلاتها الفعالة لترسيخ توازن أسواق البترول قصد استقراره وتجنيبه عواقب جائحة كورونا، إضافة الى مساعداتها العملاقة والتي استفاد منها عديد الدول في صمت الكريم وخارج أبواق التسويق، وذلك من خلال أعمال مركز الملك سلمان للإغاثة.
وللتذكير مجموعة العشرين التي ولدت كبيرة في 1999 على هامش قمة مجموعة الثماني، وتحديدا بعد اجتماعات وزراء المالية وترجمة لنقاشات حول المسألة التنموية ولتركيزها سنة 2008، تم الاتفاق على أن تتكون من دول مجموعة الثماني وهي الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وروسيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا مع 11 دولة صارت تمثل ثقلاً اقتصاديا عالمياً وهي السعودية والصين واستراليا وكوريا الجنوبية والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل والمكسيك والأرجنتين واندونيسيا. بالإضافة لكيانات دولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسة بريتون وودز ضيوف دائمين للمجموعة، إضافة إلى تمثيل الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية الدورة 15 لقمة مجموعة العشرين والتي احتضنتها الرياض، كانت قمة القيم بامتياز حيث نجحت المملكة بثقلها وقدرتها التنظيمية في جمع شمل القادة الأكثر تأثيرا في العالم على قيم التآزر الإنساني في وقت حساس تشتعل فيه الحروب هنا وهناك وتفتك فيه كورونا بفريستها الإنسان في كل مكان، وجمعهم خلال القمة لسد الفجوة التنموية بين البشرية بإقرار 11 تريليون دولار لتقليص مساحة الفقر الحمراء من العالم جراء نتائج جائحة كورونا، وكذلك بحزمة من الإجراءات التي تصب في مصلحة البشرية والإنسان.
اجتمع زعماء العالم وقبلهم ممثلوهم من وزراء إضافة إلى أعمال لجان مجموعات الفكر والأعمال والشباب والعمال والمدني والمرأة والعلوم والمجتمع الحضري.. زعماء العالم الذين كان حضورهم يترجم مدى تقديرهم للمملكة وقيادتها كان لافتا، على الرغم من كون الفعاليات تعقد افتراضيا إلا أن الحماسة والوهج الذي تحقق خلال حواراتهم أعطى للدورة ألقاً وبهاء جعل من الدورة درساً في التنظيم وإدارة الشأن المتصل بالمؤتمرات الكونية، فليس بالحضور الحسي فقط تعقد القمم إذا كان المنظم في حجم وقيمة المملكة العربية السعودية المنظمة سنوياً لأكبر اجتماع ديني في العالم بحنكة واقتدار.
الدورة 15 كذلك فتحت أعين العالم على ما تتوفر عليه المملكة من معالم وتطور حضاري وتكنولوجي جعلها تتبوأ المراكز العالمية الأولى في هذا المجال، فالدورة 15 للقمة مرت بنجاح ولكن صورة المملكة ستبقى عبرة تنظيمية يفخر بها العرب والمسلمون وسيستلهم من قيمها العالم أجمع.