محمد سليمان العنقري
كان لافتاً حديث معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ عن التغير باقتصادات التعليم عالمياً بعد جائحة كورونا وذلك خلال الإحاطات التي رافقت اجتماعات قمة العشرين برئاسة المملكة قبل عدة أيام، حيث أوضح أن المملكة تخطط لمزيد من مشاريع التعليم عن بعد الذي تغيّرت النظرة له وبات واقعاً وركيزةً في طرق التعليم. وقال أيضاً إن المملكة تقدَّمت في 16 مؤشراً عالمياً بعد تجربتها في التعليم عن بعد، فمن الواضح أن العالم تغيّر بعد هذه الجائحة وأن التعليم، سيطاله الكثير من هذه المتغيّرات في طريقة تشغيله والمناهج والتوجهات والاحتياجات لإتمام العملية التعليمية، إذ إن التعليم سيستمر في الأزمات لأنه لم يعد هناك عوائق تمنع ذلك.
لكن عند النظر إلى نوعية المتغيّرات باقتصاديات التعليم فإن السؤال سيكون: ما هو حجم هذا التغيير، فالتعليم عن بعد بتجربته الحالية فتح الباب على تقييم الكثير من توجهات الاستثمار والتشغيل بقطاع التعليم، إذ بات بالإمكان قيام مدارس افتراضية كمنصة مدرستي التي تخدم حالياً 6 ملايين طالب بالمملكة ويمكن أن يتراجع النمو ببناء المدارس إلى أن يكون البناء لمدارس افتراضية كما يمكن أن يتراجع نمو الاحتياج لأعداد كبيرة من الكوادر التعليمية لصالح التعليم الافتراضي لبعض المناهج أو لجميعها حسب التطور التقني مستقبلاً وكذلك نضوج الفكرة وكيفية تعامل الطلاب والأهالي معها، لأن هذا العامل حاسم في الانتقال لنمط جديد من طرق التعليم، إذ يبقى للبيئة المدرسية والحضور لمقرات المدارس واجتماع الطلاب في تلك البيئة دور كبير في البناء الاجتماعي الصحي للفرد منذ طفولته، ولذلك يبقى السؤال: كيف سيتمكَّن الباحثون من معالجة هذا العامل المهم في بناء شخصية الطالب.
كما أن التغيّر المحتمل عالمياً باقتصادات التعليم سيطال التعليم العالي بعدم الحاجة للتوسع بالمباني الضخمة للجامعات لصالح الفصول الافتراضية وإمكانية التعاقد مع كوادر تعليمية من أي مكان داخل الدولة أو من دول أخرى مما يوفر أموالاً طائلة ويسمح باستقطاب كفاءات من أي مكان بالعالم دون الحاجة للحضور وتغيير مكان العيش الذي قد يكون عائقاً في استقطابهم بخلاف التعاون مع جامعات عالمية وابتعاث طلاب لهم عن بعد أي دون الحاجة لسفرهم لتلك الدول في بعض التخصصات خصوصاً النظرية منها وهذه المتغيِّرات سيكون لها دور كبير في رفع كفاءة الإنفاق على التعليم، فمجالات التعاون عالمياً بين الجامعات ستكون كبيرة وواسعة وستتغيَّر توجهات الاستثمار في التعليم عموماً لصالح بناء المنشآت افتراضياً، فالمملكة مثلاً تنفق أكثر من 20 بالمائة من الميزانية العامة السنوية على التعليم مما سيعني مستقبلاً لو تم التوسع بالتعليم عن بعد فإن تغيّراً كبيراً بالإنفاق سيتحقق وسيكون هناك انخفاض بنمو التكاليف التشغيلية التقليدية عموماً بينما سيرتفع التوجه بالإنفاق في ما يخدم التعليم عن بعد.
ينفق العالم حوالي 5 تريليونات دولار سنوياً على التعليم، تتحمَّل الحكومات منها حوالي 79 بالمائة، ومن الواضح أن توجيه الاستثمار والإنفاق، إذا تغيّر مستقبلاً فإنه سيكون تحولاً جذرياً بمفهوم إدارة وتشغيل قطاع التعليم، بل سيطال التغيير عدد السنوات الدراسية في التعليم العام، وهذا ما ذكره وزير التعليم بأن التعليم الإلكتروني لا يلزم بأن تبقى سنوات الدراسة 12 عاماً، مما يعني أنه لو تحول العالم في التعليم للواقع الافتراضي فإن تغييرات جذرية ستطال المجتمعات وأسواق العمل وكذلك نوعية التخصصات وأساليب ومهارات التعليم، بل إن الكوادر التعليمية ستتغيّر مع الزمن لتخصصات أكثر تفصيلاً وارتباطاً بالتقنية ومتطلبات العصر الجديد.