{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: إنا لهم وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيرًا منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها».
كم دنيانا قصيرة، والأعمار بيد الله سبحانه {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}.
قبل أيام عدة مضت فقدت مملكة البحرين الشقيقة، أرضًا وقيادة وشعبًا، رمزًا من رموزها وعمالقتها الكبار.. إنه سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء، الابن الثاني للشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين آنذاك؛ إذ كان نجله الأول هو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (والد العاهل البحريني الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة).
تعلم القرآن صغيرًا، ثم بدأ بتلقي التعليم النظامي على يد مجموعة من المعلمين الذين أوكل إليهم والده هذه المهمة، ثم التحق بإحدى المدارس الحكومية قبل أن يرسل في عام 1957 للدراسة على فترات متقطعة في بريطانيا حتى عام 1959. وعاد - رحمه الله - ليواصل مسيرة نشاطه لخدمة وطنه وقيادته.
نُصب رئيسًا للوزراء بعد أن تحوّل ما يعرف بـ«مجلس الدولة» (الذي كان يرأسه منذ يناير/ كانون ثاني من عام 1970) إلى «مجلس الوزراء»، وذلك في أعقاب إقامة دولة البحرين عام 1971 بعد أن كانت إمارة قبل ذلك، وقد أصبح أميرها هو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة -رحمه الله- الذي كان يسمى «حاكمًا» قبل ذلك.
بقي الشيخ خليفة -رحمه الله وغفر لنا وله- رئيسًا للوزراء في البحرين منذ عام 1971 حتى يوم وفاته؛ ليكون سموه صاحب أطول فترة رئاسة للحكومة عبر التاريخ؛ إذ بلغت مدة توليه للمنصب نحو 50 عامًا و296 يومًا. تاريخ حافل لسموه طوال حياته، سخره -رحمه الله- لخدمة وطنه وقيادته وشعب البحرين الوفي الأبي.
عشتُ وترددتُ على زيارة البحرين منذ بداية السبعينيات الميلادية، أي بعد استقلالها بفترة وجيزة، وتعلقت بها عاشقًا لأرضها الصغيرة الكبيرة بأهلها. ولهذا الغرام بها قصة تحتاج لرواية في مقال آخر قريب -بإذن الله ومشيئته-.
حديثي اليوم عن فقيد البحرين والخليج الذي عرفته -رحمه الله- منذ بدايات عهد تسلُّمه المنصب، والتقيته -رحمه الله- في زيارات متعددة لبلاده أثناء عملي الصحفي، وفي الثمانينيات أثناء زيارة له -رحمه الله- في الثمانينيات للمملكة، وكان الوزير المرافق لسموه حينذاك معالي وزير الزراعة والمياه ابن العم الفاضل د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل الشيخ، واستمرت اللقاءات في السنوات الأخيرة بين فترة وأخرى أثناء رفقتي أخي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز في زياراته الرسمية المتواصلة للبلد الشقيق (البحرين).
وفي كل لقاء مع فقيدنا الكبير كان سؤاله الأول عن أسرة آل الشيخ وعن د. عبدالرحمن وعن معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ -رحمه الله-.
وكان يخصني بروحه الخلاقة وتواضعه مع الجميع في كل لقاء عام أو خاص في مجلسه العامر، بحفاوة وتقدير وترحاب؛ وهذا يعكس مدى ما يكنه ويحمله سموه -رحمه الله- في ثنايا قلبه من معاني الصدق والوفاء والمحبة والتقدير لقادة وشعب المملكة. وفي كل لقاء مع زائري البحرين من مسؤولين ومواطنين يصف العلاقات الوطيدة والأزلية بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية بأنها من فضل الله «ستظل كل منهما عضدًا للآخر وسندًا لبعضهما، وأن المحبة والأخوة بينهما تعلوان يومًا بعد يوم حتى وصل إلى هذا المستوى الرفيع، وأن المملكة العربية السعودية اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين هي السد المنيع للعرب والمسلمين، وأي استهداف لها هو استهداف للجميع، والواجب أن يهبوا لدعمها؛ فهي لم تتأخر يومًا عن دعم أية دولة عربية أو إسلامية في أي موقف».. حديث من القلب، ترسخ منذ الأزل بين بلدين، حاول - وما زال - أعداء الأمة نشر الفتنة والفرقة بينهما، ولكن بحول الله وقوته لن يفلحا بتحقيق أهداف مسمومة لتماسك القيادة والشعب لدحر كل اعتداء مصيره الفشل -بإذن الله-.
رحمك الله شيخنا أبا علي الحبيب الذي تظل ذكراك العطرة تجمعنا في حياتك وبعد فقدانك.. من قلب أخوي محب لمملكة البحرين وشعبها الوفي الكريم المسالم.
والعزاء لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، الذي بتواضعه ووفائه شرفني برده على مكالمتي شخصيًّا لتعزيته لأني أعرف مكانة الفقيد لدى جلالته -حفظه الله-.
والعزاء إلى سمو ولي عهده سمو الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، والتمنيات لسموه بالتوفيق بتولي رئاسة مجلس الوزراء، وإكمال مسيرة الفقيد -رحمه الله-، وإلى أبنائه البررة، وأهله، وأسرة آل خليفة كافة، ولشعب البحرين الشقيق.
خاتمة:
يا راحلين وقد سكنتم جوارحنا
ليت الفراق ما كان ولا كانت مآسينا
تبكي العيون وقد أضحت مآقلنا
فجر الصباح بلا نور يلاقينا
تغدو الرياح بلا طيب نعانقه
ويأتي النواح بلا إذن يواسينا
صارت بطاح الأرض مقفرة
وانكبت لظى الأشواق تكوينا
** **
- عبدالله بن محمد آل الشيخ
Alsheikhabdullah@yahoo.com