«الجزيرة الثقافية» - حوار/ محمد هليل الرويلي - جابر محمد مدخلي:
لعقود خلت والمبدع لا يخلو من استلهام أفكاره، وعاداته، وتقاليده وتحويلها إلى نصوصٍ أو أفكارٍ أو رؤى تعبيرية. وحين كان هذا الملمح أحد فتوحات الكتابة كان الأديب محمد منصور الحازمي واحداً ممن كتبوا في معظم الأصناف الأدبية: قصيدةً، وقصةً، ومقالاً. وحين نمت لديه كل هذه التعابير والرؤى اشتغل بالإعلام فجاءت بصمته لا تقل إبداعاً عن سابقات تجاربه فاغتنى به وجعله مهمّته وجاءت ثمرة جهوده صحيفة «جازان نيوز» الإلكترونية التي غدت أحد أصوات ومنابر جازان، والوطن. ثم استمرّ في بناء عوالمه، وشواغله فاتجه إلى النشر ليجمع ثماره بأكملها ويحولها إلى بذور للمبدعين والمبدعات ويكون لهم كالحضن الآمن، واليد المربّتة على أكتافهم، والحاملة لتجارب إبداعهم المنشور من خلال دار نشره «الحازمي للطباعة والنشر» وأديب بحجمه، ومقداره، وتجربته يحار المرء الذي يحاوره أين يمضي فيها، ومن أين يبدأ من صاحبها. تلتقي «الجزيرة الثقافية» معه؛ لاستقراء تجاربه، ومحاولة الوصول إلى عوالمه من خلال الحوار التالي:
* في حضرة «الجزيرة الثقافية» وحضرة أديب، وإعلامي، وناشر نرحب بكم في حوارنا هذا أتم ترحيب.
- سعيد بالرمز الإعلامي العريق «الجزيرة الثقافية» وبحديثي عبر منبرها الأثير، ودورها في تنمية وعي العقل العربي عامة والسعودي خاصة، المعنية بالتراث الأدبي، والمواكِبة للحراك الأدبي والثقافي الحالي.
* تُعدُّ تجربة الحازمي متعددة ابتداءً بالكاتب، ثم الإعلامي، ثم الناشر.. هلاّ حدثتمونا وقرأ «الجزيرة الثقافية» عن هذا الثالوث في مسيرتكم؟
- منذ يفاعة سني، عاشق للكتابة وخاصة بالشأن الفكري والأدبي والعام من خلال قراءاتي، وأولى الكتاب مما وجدته بالبيت، كتب دينية وجواهر الأدب وغيرها، ومن مكتبة مدرسة ضمد المتوسطة، ثلاثة كتب، وجدتها مرمية خارج المدرسة، ومن اللافت منها كتاب سياسي «عبدالناصر وفلسطين» لعمر حليق، وروايتي «البوساء، مرتفعات ويذرنغ» ومتابعات إذاعات الرياض وجدة وصوت العرب والقسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي. ومن خلال ما سبق تشكلت ثقافتي المعرفية
- دلفت غمار نشر مقالاتي عبر صحف متعددة، وقد نشرت 48 عنوانًا بالشرق الأوسط من 2000 - 2010، وإلى الآن بلغت مقالاتي ما يربو على 860 مقالاً، وكنت أنشر مقالاتي بعدد من الصحف، ومنها جازان نيوز، ثم عملت فيها محرراً للمقالات، ثم الأخبار، إلى أن كلفت رئيسًا للتحرير منذ عقد من الزمن.
- أما ناشرًا، لتجربتي مع إصداري أول كتابين لدى ناشر من دولة عربية، لذلك آثرت السعي لتقديم طلب لوزارة الإعلام، للترخيص (للحازمي للنشر)، لدعم المبدعين في مختلف العلوم والمعارف، ونشر رسائل جامعية وبحوث و لكتاب مقالات ودواوين شعر وقصص قصيرة وعناوين أخرى.
* بين الكُتب الفكرية ككتابكم «من القلب» والأدبية كمجموعتكم القصصية (قُبلة جبين) وغيرها؛ ما الذي يتغير ويطرأ ذهنياً على أديبنا بين التأليفين؟
- كتاب «من القلب»، فلسفة حياة وتجارب وجهتها عبر رسائل للمتلقين بمختلف مشاربهم، «قبلة جبين» ترجمة ظواهر اجتماعية متوقعة أو متخيلة في قالب قصصي وظفت فيها خبراتي الثقافية، المستندة على أنماط اجتماعية. أما ذهنياً، تعاملت مع كل منحى بانفصال تام عدا أن أصبغ بعض أفكاري بقالب أدبي، كما أوظف بعض المفردات الفكرية في صياغة بعض مشاهد القصص القصيرة، ولم أعني جراء اختلاف التوجهين.
* الناشر محمد الحازمي، بوصفكم أديبًا وصاحب أحد حوانيت النشر فما الضوابط التي تفرضونها على ما تتلقفه داركم من طلبات للنشر.. ومثلكم يعلم أن بعض الدور - للأسف- لا تلتفت ولا تولي العناية إلا -للمقابل المالي- والمحفظة المالية التي سيجنيها من خلال الاسم الذي سينشر له، وليس مهم إن أُغرقت السوق والمكتبات بالغثاء؟
- أهم الضوابط لتلافي «الغثاء» سلامة اللغة وترابط الأفكار وإقرار المؤلف أن ملف مسوَّدة الكتاب من تأليفه وهذا الشرط البند الأول بالعقد. أما «المحفظة «فلا تزال كما هي من قبل ومن بعد، وأتمنى عبر هذا المنبر أن تضطلع وزارة الثقافة بإنشاء مطبعة تخدم المبدعين ومؤسسات النشر الناشئة وبتكلفة تسهم في تخفيف الأعباء عن المؤلفين والناشرين، وتقلص الطباعة خارج الوطن، وأتطلع لاستثناء دور النشر من شرط نشر 100كتاب لتمكن من المشاركة بمعارض الكتاب.
* عنايتكم بالصوالين الأدبية، ومنصاتكم الإلكترونية الثقافية تشهد حراكًا فاعلاً - عن قُرب وبُعد- إضافة إلى ما كان من منبركم الإخباري «جاران نيوز» من مواكبة للحراك في المشهدين: المحلي، والعربي.. أكان تشكلكم الوارف الممتد ظلاله هو ما يسمو بهذه الروح الإبداعية للكمال المنشود، أم أنّ ذلك جاء مصادفة اقتضتها الظروف؛ إذ ليس لزوماً أن يكون الأديب صاحب صوالين، ودور نشر ومنابر ثقافية؟
- صحفيًا توجهي الابتعاد عن الصحافة المناطقية، والتركيز على تنوع المنتج الصحفي بـ«جازان نيوز» عامل رئيس في انتشارها محليًا وعربيًا ودوليًا، فالحدث يخلق الفرصة والصحف لا تصنع الأحداث، بل تستشرف تداعيات الأحداث. وأما «ديوانية الأدب والثقافة» أنشأتها منذ ثلاثة أشهر؛ لإحداث نقلة نوعية فيما شاهدته بمنابر أخرى، استقطبت أساتذة جامعات وشعراء وكتّاب قصة؛ وقد صنع مزيجًا يؤصل الترابط القيمي فلكل نشاط قيمة، ولم أجد طغيان نشاط على غيره، سواء الإعلامي أو النشر أو إشرافي على ديوانية أدبية ثقافية.
* جازان قِبلة الصحافة والمنابر: فكرًا، وروايةً، وشعرًا، وقصةً، وفناً تشكيلياً، وصولاً لفنون متنوعة ومن أبنائها من تسنّم مراكز ريادية وقيادية في الإذاعة والتلفاز والصحافة وغيرها: في رأيكم ما النسيج الشفيف الإبداعي الذي استطاع أن يضم لتوليفته من أبناء المنطقة لمشهدنا السعودي هذا التفرد الجمعي؟
- البيئة، لا توجُّه ماديًا يتلف انطلاقاتهم، الإرث التاريخي وعشق الفنون والأدب، والتحصيل العلمي في كل التخصصات، مولعون بالقراءة والبحث وحريصون على رفض القبول بالأدنى.
* ما رؤية أديبنا الحازمي للمشهد الأدبي العربي والسعودي؟ وهل ترون استشفافة مستقبلية معينة يمكن الإشارة إليها بحيث يمكن معها القول إنّ هذا ما نحتاج إليه؟ وما أكثر ما أزعجكم في هذا الرصد؟
- المشهد الأدبي العربي والسعودي متلازمان تجمعهما لغة ومصير مشترك ومنذ 2011 وانطلاق الفوضى التي أشعلها أعداء الإنسانية في دول والأدب أحد فروع العلوم، المشهد الأدبي السعودي يمتلك مميزات تؤهله لبلوغ الطموحات التي تلبي الحاجة إلى إثراء أدبي يتناغم مع رؤية المملكة 2020، وما تنتهجه ثقافية صحيفة الجزيرة لردم الهوة بين أدباء مخضرمين وأدباء الجيل الحالي حري بالإشادة، على المؤسسات الصحفية أن ترسم ذات النهج، هيكلة محطات التلفزة والإذاعة لتركز على المنتج الأدبي وإنشاء قناة تلفزيونية أدبية.
- على الأندية الأدبية، أن تتحرك لعقد ورش تركز على تعميق الحس الأدبي لدى الناشئة، بالتعاون مع وزارة التعليم لإنعاش المسرح المدرسي بتحويل قصص وروايات لنصوص مسرحية والتفاعل مع نبض المجتمع.
* أخيراً وليس آخراً: ما الذي سيقوله الحازمي كاتباً، وإعلامياً، وناشراً لقرائه، وقرّاء «الجزيرة الثقافية»؟
- ثلاثي، قاسمها المشترك الفكر والإبداع ونشر المفيد، لا ينفصم أحدها عن الآخر، تابعوا ثقافية صحيفة الجزيرة، ففيها الثراء والإبداع، والابتعاد عن اللغط في مواقع التواصل، وتسخير الوقت لما يفيد الوطن، وتوثيق إنتاجكم في كتاب ليظل للأجيال المقبلة معينًا لا ينضب.