لا أعلم وأنا أكتب تذكرتُ رواية «مئة عام من العزلة».. وكيف حول غابرييل ماركيز الخيال إلى واقع؟ فصحافتنا مرّت بمراحل تشبه كثيراً تفاصيل رواية ماركيز بين قريتين احداهما حقيقية والأخرى خيالية والتي كان مصيرها الفناء!
لا أعلم رغم عشقي لأنفاس الورق، وضم حبيبي القلم، ومنظر الحبر ينساب كالجداول، كان ذاك في تلك الحقبة متداول، وأعمدة الصحف تقاوم السقوط بلا عكّازين، والمقالات كلها ما بين ورّاقٍ ورِوَاق، معانقة وفِراق حدّ الاحتضار لم يزل الورق بين خوف وقلق، ابحار وألق، موت في آخر الحرف شنق!
رغم كل هذا ظلّت صحافتنا بعد مئة عام تكتب الحرف وتبهر جميع القرّاء والمتابعين أن الحرف لا يزال بألف خير.
مئة عام ونحن نقرأ ونكتب، نعشق ونكره ثم نكتب نذرف قطْرة الندى ونصرخ ثم نكتب، نذهب إلى الجبال ونتربّع على قمتها ونكتب، نمسح الدمع في كلا الحالتين فرح وسرور أو حزن وكآبة ثم نكتب ونكتب...
فالكتابة ثابة ورقي كانت أم اكتروني والمتابعون متغيرون.
إن مئة عام على الصحافة رغم وجود ضرّتها التقنية بقيت ضمن أهم العائلة الإعلامية متماسكة مفككة، متلملمة مبعثرة، تقاوم مرة وتسقط مرات.
مئة عام على الصحافة ومعارض الكتب تثبت أن هناك أملاً، رغم كل الألم!
مئة عام على الصحافة بدأتُها من صحيفة البلاد الجامعة التي خرّجت المبدعين ثم صحيفة شمس التي كُسِفت قبل أن تشرق مرورا مجلة سيدتي، والتي هي من أنجح تجاربي رغم شهرين قضيتها فيها فقط،كان حلمي الورق قراءة وكتابة ونشره في الصحف والمجلات فقي كل محطة صحافية أتجه إليها وكرسيّ فيها متأرجح، ما يهمني وقتها أن أمارس الكتابة.
فانتقلت بعدها إلى صحيفة المدينة مستدعيًا الحب والإبداع دخلتها من بوابتها، طرقته فرحّبت بي ورقصتُ لها عرضة جنوبية.. واستقرّيت في ملحقها الثقافي بعد اجراء اختيارية قوية وتحريرية من مئات المتقدمين، لكني نجحت فيما خططت له وها انا ذا مجلتنا الثقافية بصحيفة الجزيرة كاتبا بها زواية (ملامح وممالح) بعد سنين ماطرة في حياتي الصحافية محررا، لأني موقن أن الحرف لا يزال بألف خير.
بعد أواسط التسعينات إلى الألفية الثانية هناك أمور تغيرت تبدلت قلبت الطاولة على الجميع وفي وجه الورق وأصبح ما يسمّى الإعلام الجديد ومنصّات المواقع الرقمية الاجتماعية تويتر فيسبوك استقرام.... ورغم كل هذا الورق يقاوم الاحتضار شئنا ذلك أم أبينا!
لكن الكتابة باقية فالورق أصبح شاشة بحجم الكفّ والقلم تحوّل إلى سبابة في اليد تضرب الحرف بقوة يا لهذه القسوة! فيخرج الحرف حاسر الرأس حزينا ويكتب مع بقية إخوته الحروف يريدون خروجهم من سجن الشاشات، فصبر جميل والله المستعان!
** **
- علي الزهراني (السعلي)