قد يكون العنوان مستفزًا؛ لأنه يحمل تناقضًا في ظاهره، ولكن اخترته؛ لأنه يدل على جنس أدبي قبل أن يدخل حقل الجنس في العنونة الطباعية التي غالبًا يصنّفها الكاتب قبل الطبع.
وهذه الظاهرة في الرواية السعودية تتحدث عن الروايات التي نُشرت قبل طباعتها، وأخذها صفة الرواية قبل الطباعة، وقبل أن يكتب عليها صاحبها (رواية)، مثل بنات الرياض لرجاء الصانع، ومغتربات في الأفلاج لبشائر محمد، وبعض فصول وجهة البوصلة لنورة الغامدي.
وهذه الظاهرة ليست جديدة على التأليف الأدبي؛ لأن هناك نماذج لروايات في العالم العربي والغربي، نُشرت فصولها في الصحف والمجلات، والمواقع الإلكترونية، قبل أن يضمها غلاف واحد، ولكن اللافت أن ما نُشر في الرواية السعودية لم يأخذ صفة الرواية حين نشره، وإنما كان أقرب للمذكرات كما أشارت رجاء الصانع: هذه الرسائل الإلكترونية التي تصل للمشتركين هي عبارة عن مذكرات، وكذلك بشائر محمد، فلماذا تحوّلت هذه الكتابات إلى روايات؟ وهل كانت الكاتبات تعي بناء الرواية قبل نشرها؟ وهل هناك ما يمكن أن يجمع هذه الروايات؟
إن هذه الأسئلة لا يمكن أن يُجاب عنها دون النظر إلى الارتباط الأيديولوجي للفكرة التي انبثقت منها الرواية؛ لأن طريقة التعبير عن هذا الجنس ترتبط بأيديولوجيا الفضاء، والزمان، والشخصيات؛ فيجمع هذه الروايات خطابُ معاناة المرأة، سواء مع الفضاء الواسع كما في بنات الرياض، أو الفضاء الضيق كما في وجهة البوصلة. أما مغتربات في الأفلاج فخطاب المعاناة قارب فكرة الرحيل، ومعاناة التحرّك في أي فضاء غير الذي ألفته، وعرفته، وليست الألفة والمعرفة دليلاً على التعايش كما يظهر من الرواية.
كما يجمع هذه الخطابات جماهيريّة الفكرة التي تتحدّث عنها، ويعد التلقي/ الجماهيريّة عنصرًا من عناصر التحريض على تحويل هذه المذكرات إلى روايات، رغم غياب بعض الجوانب الفنيّة التي استقرت عليها الرواية السعودية منذ سنوات قبل هذه الروايات، باستثناء وجهة البوصلة التي يظهر فيها جانب فنيّ، ساهم بناء زمن الحكاية على الانتقال الفني فيها من التقليد إلى نمط الرواية الحديثة؛ وهذا ما يجعل بنات الرياض، أو مغتربات في الأفلاج، تراهن على خطاب التأثير في المتلقي من خلال واقعية الأحداث، والزمان، والشخصيات.
وهنا يمكن القول إن هذه الروايات التي نُشرت قبل ضمها في غلاف كُتب عليه (رواية) خضعت لبناء الجماهير، ورغبتهم في الدخول إلى واقع الشخصيات الواردة في الروايات. ومن هنا يمكن أن ينطلق درس جديد في النقد الروائي السعودي في البحث عن المغيّر البنائي في هذه الروايات من خلال المقارنة بين السابق واللاحق منها، وكذلك الوقوف على التطور الفني على نطاق الرواية الواحدة، وهو ما يظهر في رواية وجهة البوصلة بشكل واضح، يقويّ فكرة أن المتلقي/ الجمهور ساهم في بناء بنات الرياض، ومغتربات في الأفلاج، ولم تفسح المجال كثيرًا روايةُ وجهة البوصلة لهذا الأثر.
** **
- د. سلطان الخرعان