محمد آل الشيخ
المقذوف الذي أطلقته ميليشيا الحوثيين على أحد صهاريج جدة للنفط، وتلغيم البحر الأحمر، لا قيمة له من الناحية العسكرية، ولكن الهدف النهائي إعلامي بحت. طبعاً الحدثان كانا بأمر من طهران، والأسلحة أيضاً صناعة إيرانية، والهدف منها كان التشويش وصرف الأنظار عن النجاح المتميز الذي حققته المملكة في قمة مجموعة العشرين الأخيرة، والذي أعطى للمملكة قيمة اقتصادية وازنة، لا يمكن أن يتجاهلها الأمريكيون ولا الأوربيون عند نقاشهم لاتفاقيتهم النووية التي ألغاها ترامب مع إيران.
الفرس يعلمون يقيناً أن ثقل المملكة الدولي الذي جسدته هذه القمة، ودبلوماسيتها الجديدة والحيوية، لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال عند إعادة التباحث مع الإيرانيين مستقبلاً، إضافة إلى أنها الآن جزء رئيس من التحالف الرباعي العربي، وربما الخماسي بإضافة السودان، هذه النجاحات تقلق إيران، وتدفعها إلى الإيحاء بأنها تستطيع أن تزعزع أمن المنطقة، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن ذراع إيران الأهم (حزب الله) في لبنان تكتنفه كثير من الظروف التي تعيق من تمكنه، وبالتالي تجعل قدرته على (إيذاء) إسرائيل متواضعة، كذلك فإن القصف المتواصل من الإسرائيليين للميليشيات الإيرانية في سوريا، والتزام الميليشيات الإيرانية الصمت المطبق تجاه هذه الهجمات التي لا يكاد يمر أسبوع دون أن نسمع عنها، رغم ما تحدثه من خسائر في الأرواح والمعنويات، أعطى انطباعاً عن ضعف الحرس الثوري الإيراني الذي يعتمد عليه الملالي في مناوراتهم السياسية. كما أن إيران ليس أمامها خيار لكي تبقى إلا التفاوض من جديد مع الغرب، وتوقيع الاتفاقية النووية بصيغتها الجديدة، ورفع الحصار، وتفادي الانهيار الاقتصادي الكامل الذي تسعى إليه إيران بخطى حثيثة، إذا لم يتم رفع العقوبات عنها.
لذلك يمكن القول إن مقذوف جدة أو ألغام البحر الأحمر كانت في حقيقتها رسالة للرئيس الأمريكي الجديد، وكذلك للأوربيين، مفادها بأن (ميليشياتهم) ما تزال قوية، وما تزال قادرة على الإيذاء، والذي يجب أن يدركه الإيرانيون جيدا أن دول المنطقة اليوم ليست كقوتها عندما وقّع الرئيس أوباما معهم الاتفاقية النووية، فالتطبيع مع إسرائيل خلق معادلات سياسية وألبس دولها ثوباً جديداً يختلف عما كان عليه بالأمس، أضف إلى ذلك أن سلوكيات إيران مؤخراً أعطت عاملاً جديداً في معادلات القوة والضعف بالنسبة لدول المنطقة، فضلاً عن أن قصف إسرائيل لميلشيات إيران في سوريا صباح مساء وجبنها الفاضح عن أن تطلق رصاصة على إسرائيل، جعلها نمراً من ورق على طاولة المفاوضات المقبلة، والأمريكيون والأوربيون يفهمون ذلك جيداً في نهاية المطاف. ومهما حاولت إيران أن تتنمر وتغالط وتكابر فهي في وضع اقتصادي منهك وضعيف للغاية، وهذا الوضع لا يمكن إلا أن ينعكس على مجريات المباحثات حول الاتفاقية النووية الجديدة.
الأمر الآخر وهو محوري هنا أن الأوربيين جميعاً ماعدا فرنسا قد صنفوا حزب الله كمنظمة إرهابية، والعالم بأسره يعلم أن حزب الله هو منظمة تأتمر بأمر الملالي في طهران، وهذا مؤشر ضمني يعني أن الإيرانيين يدعمون الإرهاب، ويمولونه، ويحرمون شعوبهم من الإنفاق على المشاريع التنموية بينما يصرفون ثروات الشعب الإيراني على الإرهاب.
كما أن زعزعة ميليشياتهم لأمن العراق واستقراره، والوقوف في وجه حكومته الشرعية، وإفشال جهودها لنزع السلاح وبسط سلطة الدولة على أرض العراق، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تغيب عن طاولة تلك المفاوضات المقبلة، ولا سيما أن هناك اتهامات يكاد يتفق عليها أغلب المحللين والمراقبين تنحو إلى أن الولايات المتحدة هي التي أعطت العراق لإيران على طبق من ذهب.
خلاصة ما أريد أن أقوله هنا: إن الجعجعات التي تثيرها ميلشيات إيران سواء في اليمن أو سوريا أو العراق بين الفينة والأخرى لن تمنحها موقفاً أقوى لرفع العقوبات، وإعادة المداخيل المالية إلى ما كانت عليه.
النقطة الأخيرة التي يجب الالتفات إليها أن تلك الاتفاقية الملغاة كانت ضمن ما يسمونه مشروع (الشرق الأوسط الجديد) الذي تبناه الرئيس أوباما، وغني عن القول إن هذا المشروع قد سقط بالكامل، ونتج عن سقوطه متغيرات كثيرة ليست بالتأكيد من صالح إيران.
إلى اللقاء