الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الإسلام قدم للبشرية منهجاً متكاملاً عن طبيعة التصرف في جميع شؤون الحياة، وتعاليم الإسلام تأمر بالاعتدال والتوازن والاقتصاد في جميع الأمور، والإسراف والتبذير من الأمراض الاجتماعية والاقتصادية التي تهدد الأمم والشعوب، وهي خصلة ذميمة حذر من فعلها.
وأمام تزايد أعباء الحياة، ومواجهة الغلاء الفاحش، أصبح من الأهمية بمكان الاقتصاد في إنفاق الأموال والتوسط في ذلك.
«الجزيرة» استطلعت رؤية اثنين من المختصين في العلوم الشرعية والاقتصادية لتبيان المنهج الإسلامي الرفيع حيال ذلك، والسبل الكفيلة لتحقيقه، فماذا قالوا؟.
تحقيق الاقتصاد
يشير الدكتور إبراهيم بن محمد الحسون الأستاذ بكلية الاقتصاد والإدارة بجامعة القصيم إلى أن الله سبحانه وتعالى حذر من الإسراف والتبذير، وأخبر أنه لا يحب المسرفين وأن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، والكون وما فيه ملك لله عز وجل وأن ملكية الإنسان عليه إنما هي تخويل واستخلاف من الله في هذا المال، وبالتالي يجب ألا يتصرف في هذا المال إلا على الوجه الذي أمر الله به أو نهاه عنه.
ومما حرمه الله ونهى عنه الإسراف والتبذير في الإنفاق كمية أو نوعية أو فيما لا ينبغي أصلاً، قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
وقال تعالى: {إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.
وهذه الأوامر والنواهي تشمل كافة أنواع الإنفاقات التي يجب على الإنسان التوسط فيها مهما كان مقدار دخله وثروته قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ}، ومن السبل الكفيلة لتحقيق الاقتصاد في إنفاق الأموال: تحديد الأولويات الضرورية وتمييزها عن الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها، كذلك عدم المبالغة في الحصول على هذه الضروريات وأن تكون وفق الدخل المتاح، وأيضاً لابد من تربية الناشئة والأولاد على أهمية شكر النعم والمحافظة عليها، وكذلك لابد من تربية الناشئة والأبناء والجميع على الترشيد في استخدام الخدمات المختلفة من ماء وكهرباء ومختلف أنواع الخدمات والمرافق العامة، والبعد عن التقليد والمحاكاة وتشجيع ثقافة الإدخار.
الاقتصاد والاعتدال
ويرى الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الشثري أستاذ الفقه المشارك بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز، وعضو مجلس إدارة الجمعية الفقهية السعودية، أن من طبيعة البشر التوسع في النفقات، والمبالغة في الاستهلاك، وهدرُ الأموال عند أول شعور بالثراء واليسار، وقد صرح القرآن بأن من طبيعة الإنسان السرف عند الجدة، وتجاوز حدود القصد والاعتدال، كما قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}، وقول الله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، ولتهذيب الإنسان وتربيته أمر الله - تعالى - بالقصد في الأمور كلها، كما قال - عليه الصلاة والسلام: «والقصدَ القصدَ تبلغوا»، وكان السلف رحمهم الله يقتصدون، ولا يُنفقون أموالهم إلا في الحق، ويحفظونها عن الإنفاق فيما لا فائدة فيه، تطبيقاً للشريعة الإسلامية، كما قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا، وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}، ومع ما تمر به هذه البلاد, وغيرها من بلاد العالم من جائحة كورونا، يجعل الحاجة ماسة إلى الاقتصاد والاعتدال في الأمور المالية, وهناك عدد من الأمور التي تعين على الاعتدال في الإنفاق، وعدم الإسراف أهمها ما يلي:
1 - عدم مسايرة الناس في أفكارهم وآرائهم، واجتناب مباهاة الناس ومراءتهم ومفاخرتهم بل على المسلم في الحياة أن يكون الميزان عنده في كل أمور حياته ما يرضي الله عز وجل، واجتناب ما يُسخطه.
2 - الحذر من الاستدانة، وألا نأخذ أموال الناس ديناً في ظهورنا، فبعض الناس يستدين لأمور كمالية لاحاجة له بها، بل البعض قد يستدين لأمور محرمة تلحقه بالمسرفين، فلا تشتري ولا تستدن للأمور التي لا تحتاجها حقاً، وتستطيع التخلي عنها في الغالب..
3 - الرغبة في القناعة والرضا باليسير، وعلى المسلم أن ينظر في أمر دنياه إلى من هو دونه، ولاينظر إلى من فوقه، اقتداءً بالهدي النبوي كما ورد ذلك عن نبينا وقدوتنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.
4 - تدريب النفس على الادخار، وتوفير جزء من المال لاستخدامه لاحقاً في مواجهة طوارئ الحياة، وتكون البداية بالتدرج بمبلغ يسير، فالادخار كعضلة الإنسان واللياقة البدنية يحتاج إلى دربة وتعويد للنفس عليه، والبحث عن وسائل الادخار المفيدة، ولا بد من الادخار أولاً، والقاعدة في الادخار: (أنفق ما تبقى بعد الادخار، ولا تدخر فقط ما تبقى بعد الإنفاق)، وهناك عدد من التطبيقات الإلكترونية التي تعين على الادخار مثل تطبيق مصاريف، وحاسبة الادخار.
5 - الحرص على دراسة الجدوى فيما تشتري وتنفقه في أمور حياتك، فلا تنفق شيئاً من المال إلا بعد دراسة وتأن، وتطبيق قاعدة: (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة).
وأخيراً علينا جميعاً الحذر من التهاون بالإسراف، والتزام الوسطية في جميع أمور الحياة، وأن نسدد ونقارب في الإنفاق قدر الإمكان، وحسب الحاجة.