عبد الله باخشوين
** في مسيرة (الحياة) تمر الشعوب والدول والمجتمعات، بفترات توقف عن (التطور) و(النمو) لأسباب - غالباً - ما تكون خارجة عن إرادتها، وربما لشدة (تعقيدات) الأسباب التي أدت إليها، أوفرضتها، سوف نؤجل الحديث عنها مؤقتاً، ونحاول (قصر) حديثنا على الفن والإبداع والعطاء (الفردي) الذي تخللته فترات توقف وانقطاع اختيارية أو قسرية، حسب ظروفها ومسبباتها.
من أبرز أسباب التوقف القسري في الفن والإبداع، ما يمكن أن نطلق عليه (صدمة النجاح) بحكم الطبيعة (الفردية) للفن والإبداع. عكس الدول والمجتمعات التي تتقدم أو تتراجع بفعل (عمل جماعي) لأن قيادة الدول والمجتمعات، تمتلك (طليعتها) ما يمكن أن نطلق عليه: (جيش) من (العقول) كخبراء ومستشارين وفنيين وسياسيين ومثقفين وتقنيين، وهذه (الطليعة) ترسم وتخطط بمساندة، ينتهي مسار تنفيذها عند الموظف والعامل. ولا تمر بـ(صدمة نجاح) تجبرها على التوقف، لكنها تمضي قدماً في دورة مراجعة أو تصحيح أو تطوير أما في الإبداع الفردي فإن هناك اختلافا جوهريا في الأهداف والمضمون.
ذلك أن الإبداع (الفردي) عائد نجاحه يكون للفرد نفسه، فيما تعمل الدول بعقول (الطليعة) لتطوير المجتمعات لإحداث نقلات جوهرية تعدل توجهات مساراتها المتباينة، وتدفعها للسير بالاتجاه الصحيح الذي يحقق تصوراتها ورؤاها للمستقبل.
في (الأدب العربي) أبرز فترة توقف - خارج إطار صدمة النجاح - كانت تلك التي مر بها الروائي العالمي (نجيب محفوظ) واستمرت (سبع سنوات) من عام 1952حتى عام 1959.. وخرج منها في عام 1960 برواية (أولاد حارتنا).. وقبل الحديث عن الرواية، نذكر أن محفوظ علق على فترة توقفه قائلاً: (عندما فكرت في الأمر ظننت أنني كتبت قبل توقفي كلما أردت قوله وأنني انتهيت ولم يعد لدي شيء أقوله).
غير أنه بعدها كتب ما يمثل أهم مرحلة تجديد في الرواية العربية.، فيما ظلت (أولاد حارتنا) حالة خاصة في الكتابة العربية، لم يعد لها مطلقاً ولا حتى في (الحرافيش) التي جاءت بعدها بسنوات طويلة، لأن (أولاد حارتنا) من الأعمال التي يمكن كتابتها - في العمر - مرة واحدة فقط.. وكانت كتابتها (حاسمة) رغم النقد والهجوم ومحاولات (التكفير) التي وجهت إليه بسببها، نقول حاسمة لأنها فتحت أمامه أبواب التجديد على مصراعيها وجعلته يكتب أعمالاً شديدة الأهمية.. أخرجته من ظلال (مصر القديمة) وجعلته يخوض في إشكالات (مصر الثورة) بلغة جديدة ومضامين جديدة وبناءات فنية جديدة.
لم يبق في - مساحة الكتابة - الكثير للحديث عن (صدمة النجاح) التي يمكن أن نعتبرها (صدمة كهربائية) مباغتة الجمت كل الحواس.. وجعلت إمكانية الخروج منها عملية شديدة التعقيد والصعوبة.
وإذا كانت (الصدمة الكهربائية) تستخدم لمحاولة العودة من أسوأ حالات التشتت والذهول والجنون، فإن (صدمة النجاح) هي صدمة عقلية في أساسها.. فإن الأمر يجعلها شائكة ويجعلني غير قادر على تناولها في (كلمتين)، ويدفعني لترك الحديث عنها لوقت آخر... وكم أتمنى لو أن أحدا من ذوي (الاختصاص) يتناولها بشكل علمي، بعيداً عن أمثالي الذين طرحهم.. مثل (الرقص) حبة فوق وحبة تحت.