أ.د.عثمان بن صالح العامر
أكتب هذا المقال وأنا استمتع بأجواء ماطرة رائعة، منّ الله بها علينا هذه الأيام. هذا التغير المناخي الجميل أثار عندي أسئلة عدة:
* بعضها يتعلق بأثر التقدم العلمي الذي نتج عنه متابعة عامة الناس تحركات الرياح وتنبؤات المختصين بإمكانية هطول الأمطار بإذن الله الساعة... بل الدقيقة... وسيكون خفيفاً أو غزيراً، ونسبته، احتماليته...؟، أثر هذا الأمر في سلوك الناس وحياتهم وتحركاتهم اليومية فاليوم الغيث سيكون شمالاً ولذلك يتوجه من الصباح الباكر يتبع السحاب إلى هناك، بل إن هذا التقدم في الرصد والمتابعة لحركة الرياح وسير السحاب والمنخفضات الجوية أوجد عند شريحة عريضة في المجتمع ثقافة جديدة لها محدداتها ومعالمها ويعرفون خرائطها وأسماءها ورموزها وأعلامها ويتابعونهم بشكل دقيق عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويعولون عليهم حين يتحدثون ويستشهدون بهم عندما يقولون.
* والبعض الآخر من الأسئلة ذو صلة بتركيبتنا الغريبة التي تهوى المجازفة مهما كان الثمن، فمع أن التحذيرات والإرشاد من خطر السيول التي تصدرها الجهات المختصة تتكرر كل عام إلا أنها لا تجد هذه الإنذارات للأسف الشديد أذناً صاغية من قبل بعض الشباب الذي يجازفون بحياتهم وحياة من معهم فهم يهوون ركوب الخطر ولا يفكرون بالعواقب، وكاميرات الجوال تنقل لنا هذه الأيام قصصاً ومآسيَ لأناس ذهبوا ضحية التهور بدخول الأودية والشعاب ومواجهة السيول الجارفة بلا وعي ولا دراية.
* وهناك نوع من الأسئلة يستشرف مستقبل أرضنا الطيبة لو منّ الله عليها باستمرار هذا الخير المدرار، وارتوت الأرض، وامتلأت السدود، وردت الآبار، وارتفع منسوب المياه الجوفية في المناطق الزراعية، هل سيكون هذا سبباً في إعادة النظر في القطاع الزراعي مرة أخرى في بلادنا الغالية؟.
* مع أن كل هذه التساؤلات مرت سريعاً في خاطري، فإن سؤالاً مازال عالقاً في الذهن.. ترى لو صارت هذه هي أجواؤنا طيلة العام، هل سيتغير نمط تفكيرنا، هل سيتبدل سلوكنا، وتهدأ أعصابنا، وتستريح نفوسنا، وتضعف نزعة الانفعال والعنف عند من يتّسمون منا بهذا السلوك المشين؟.
فعلاً هل البيئة الجغرافية لها تأثير مباشر في طبيعة الشخص وأحكامه التي يصدرها وعلاقاته التي ينسجها، وطموحاته ومشاعره وتصرفاته؟
لم يكن هذا السؤال وليد اللحظة، بل سبق وأن قرأت حوله الكثير، وكنت جاهداً أن أجد الحجج المنطقية التي تنفي هذا التأثير، ولكن بصدق أعياني ذلك الأمر، بل كان مني العكس تماماً، إذ تأتي المشاهدات اليومية والخبرة والتجربة والمعايشة الحياتية والتفكر والتأمل الشخصي، ليدعم أثر البيئة الجغرافية في شخصية الإنسان، فحين أعيش مثلاً جو هذا اليوم المميز، أرى الناس يتصرفون بهدوء وابتسامة ورضا وقرب من بعضهم البعض، سواء داخل بيوتهم أو في مقار عملهم وأماكن تجمعاتهم، بخلاف حالهم حين تكون الشمس حارقة والأجواء مغبرة والهواء شديداً والريح عاصفة. أقول إن كل هذه المعطيات والتداعيات والقراءات المكتوبة والمرئية، جعلتني أغلّب أثر البيئة الجغرافية في شخصية الإنسان؛ فهي من بين أهم المكوّنات التي تطبع شخصيتنا، دمتم بخير وتقبلوا صادق الود والسلام.