سلطان سليمان الحربي
تناولنا في مقال سابق نُشر في جريدة الجزيرة بعنوان (آن الأوان يا تاجر للتحديث والتغيير الأنظمة تحدثت وتغيرت).. إن الأنظمة تتحدث وتتطور؛ لذا يجب على المنشآت التجارية أن تكون قادرة على مجاراة ومواكبة هذا التغيير، لتضمن عدم تخلفها عن ركب التطور لتنفيذ خططها للوقاية من أن تصطدم بأي عائق، ولنا في تعنت بعض المنشآت عن مواكبة هذا التطور - والتي كانت تعد سابقا من المنشآت العملاقة - مثالاً لتدهورها وفشلها في الاستمرار لتحقيق أهدافها.ومن بين ما يحدث من تطوير المبادرة التي أطلقتها وزارة الموارد البشرية تحت عنوان «تحسين العلاقة التعاقدية».. وقد دَرَجَ الخَبَرُ في بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على أن وزارة الموارد البشرية ألغت ما يسمى (نظام الكفالة)، وهذا تناقُل خاطئ، لأنه ليس من صلاحيات الوزارة إلغاء الأنظمة أو التعديل عليها.
فكما هو معلوم أن الأنظمة تصدر من السلطة العليا وتمر بمراحل عدة، والسلطة العليا هي فقط الوحيدة التي تمتلك الصلاحيات الكاملة واللازمة لإصدار وتعديل وإلغاء الأنظمة، أما الوزارات فلها حدود معينة تتمثل في إصدار لوائح وقرارات لتلك الأنظمة وفق ما جاءت به من أحكام دون أن تعارضها.
من ناحية أخرى وعند البحث في الأنظمة السعودية نجد انه لا يوجد أصلاً ما يسمى (نظام الكفالة)، والصحيح أن وزارة الموارد البشرية كان إجراؤها هو طرح «مبادرة لتحسين العلاقة التعاقدية» وفق ضوابط معينة، تحت مظلة الأنظمة الخاصة ببيئة العمل السعودي.
وعلى ذلك نجد أن من بين الإجراءات التي اتخذتها وزارة الموارد البشرية لتمهيد دخول المبادرة حيز التنفيذ في التاريخ المحدد لإطلاقها وهو 14 مارس من عام 2021م، هو ما قامت به من إضافات وتعديلات لبعض فقرات اللائحة التنفيذية لنظام العمل، مع الأخذ في الاعتبار الضوابط الواردة في برنامج تحفيز المنشآت لتوطين الوظائف (نطاقات).
ولكي تتضح الصورة وللنظر إلى هذه المبادرة بمنظور قانوني نبين أولاً المقصود بمفهوم (المبادرة) بوجه عام، فالمبادرة: هي خطة عمل لها أهداف معينة يسعى بها المبادر إلى تحقيق هذه الأهداف وذلك من منطلق مسئوليته ووفقاً لضوابط معينة.
ومن هذا المفهوم يتضح لنا أن وزارة الموارد البشرية عند طرحها تلك المبادرة فإنها تسعى إلى تحقيق أهداف معينة، وقد حددت هذه الأهداف وضوابطها في بيانها الإعلامي الصادر بخصوصها.
ومن بين الأهداف التي احتوتها المبادرة وأهمها هو بناء سوق عمل جاذب يجعل من تنمية وتطوير بيئة العمل ممكناً، وكذلك تعزيز تنافسية سوق العمل السعودي مع أسواق العمل العالمية لرفع تصنيفه في مؤشرات التنافسية الدولية.
ومن المتوقع عند تطبيق هذه المبادرة سيكون لها آثار إيجابية تنعكس تبعاً على أطراف بيئة العمل، والذي بدوره سيجعل من بيئة العمل متقدمة وفق متغيرات هذا العصر.
ونأتي هنا إلى ذكر بعض الفوائد التي ستصب في مصلحة طرفي العلاقة التعاقدية كل على حده، وفق ما يلي :
o من الفوائد التي ستصب في مصلحة العامل :
1 - التنقل الوظيفي للعامل الوافد :
يستطيع العامل الانتقال إلى عمل آخر عند انتهاء عقده دون الحاجة إلى موافقة صاحب العمل، ويستطيع أيضاً الانتقال لعمل آخر خلال فترة سريان العقد بشرط إشعار صاحب العمل خلال فترة الإشعار والضوابط المحددة له في نظام العمل ولائحته التنفيذية وما تم الاتفاق عليه في عقد العمل.
2 - استطاعة العامل أن يتقدم بنفسه بطلب خدمة الخروج والعودة للسماح له بالسفر خارج المملكة مع التزامه بإشعار صاحب العمل إلكترونياً.
3 - ويمكن للعامل كذلك أن يتقدم بطلب الاستفادة من خدمة الخروج النهائي بعد انتهاء العقد مباشرة، مع إشعار صاحب العمل الكترونياً وذلك دون النظر إلى موافقة صاحب العمل.
4 - إمكانية مغادرة العامل نهائيا المملكة اثناء سريان العقد مع تحمله تبعات فسخ العقد.
o ومن الفوائد التي ستصب في مصلحة صاحب العمل :
1 - استقطاب العمالة الماهرة التي تبحث عن بيئة عمل منظمة ومتطورة والاستفادة من التنافس الذي سيحدث في هذا المجال، وبالتالي سينعكس على الأجور المرتفعة التي كان تكلف صاحب العمل عند استقطابها.
2 - الإنتاجية المطلوبة والتي قد تتعدى ذلك، وفق استقطاب عمالة تتقن المجال الذي تعمل به المنشأة وفق شروط توضع عند التعاقد مع العامل.
3 - الحافز المعنوي الذي سنعكس إيجابياً على العمالة.
4 - الحد من الهروب المفاجئ للعمالة التي تحت كفالته وتعطل مصالحه.
5 - حفظ حقوق صاحب العمل داخلياً ودولياً.
ونظراً لحداثة تلك الإجراءات على سوق العمل أبدى بعض أصحاب العمل تخوفهم من المبادرة، وكثرة التكهنات حول نتائجها مستقبلاً، وهذا التخوف - غير المنطقي - ناتج من جمود بعض أصحاب العمل عند نقطة «ألا حراك نحو التطور»، وذلك تحت شعار (عمل مستمر على نفس المنوال القديم إذن منشآتنا مستمرة)، وبكل تأكيد أن ذلك الجمود سينعكس بنتائج سلبية على المنشأة وسيجعلها في آخر الركب إن لم يكن حالاً سقوطها من عليه.
ويكمن تبديد هذا التخوف أو القلق في أن تواكب المنشأة هذا التغير وتتكيف مع هذا الواقع، وان تضع في خططها المستقبلية الاستعداد التام للتطورات اللاحقة خصوصاً انه قبل أن يصدر أي نظام أو لائحة أو تعديل يسبقه طرح لمشروع الإصدار أو التعديل وهذا يجعلها على بيِّنة من أمرها.
وعلى ذلك فانه يجب أن تصاغ عقود العمل الجديدة وكذلك يتم التعديل على العقود الحالية وفق الأنظمة الخاصة بها ووفق مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية دون تعارض، بما يكفل حقوق كل طرف من أطراف العلاقة العمالية.
فمن بين الاعتبارات التي يجب الأخذ بها عند صياغة ووضع الأحكام المتفق عليها في العقد ما يلي :
1 - مدة عقد العمل ولاسيما أن طبيعة عقد عمل الوافد محددة المدة بغض النظر عن عدد سنوات عمله.
2 - عنوان العامل داخل المملكة وعنوانه خارجها على أن يكون مثبتاً ذلك من الجهات المختصة المعتمدة لعناوين الأفراد.
3 - فترة الإشعار النظامية وكذلك فترة الإشعار الاتفاقية بين الطرفين.
4 - التعويض عند فسخ عقد العمل (مع مراعاة الأحكام الخاصة به).
5 - التعويض عن تكاليف التدريب أو الدورات التي حصل عليها العامل اثناء التعاقد معه.
6 - فترة التجربة (وما جاء فيها من أحكام منظمة لها).
7 - نوع عقد العمل هل كان محدد المدة أو من اجل إنجاز عمل ينتهي بانتهائه.
8 - طرف العقد ( صاحب العمل ) هل عقد العمل خاص بالمركز الرئيسي للمنشأة أو أحد فروعها.
9 - التنافس في مجال العمل ( وما جاء فيه من أحكام منظمة له).
10 - الشروط الجزائية (تحديدها وفي أي مادة يتم تضمينها).
11 - الجهة التي ستفصل في الخلاف الذي قد ينشأ بين صاحب العمل والعامل هل هي المحكمة العمالية أو اللجوء إلى التحكيم.
12 - توثيق عقد العمل.
وقد يتبادر السؤال هنا في حال أن فسخ العامل عقد العمل دون سبب مشروع، كيف لصاحب العمل المطالبة بتعويضه عن ذلك الفسخ؟ والإجابة عن هذا التساؤل من شقين، الأول في حال أن فسخ العامل العقد دون سبب مشروع وهو مقيم بالمملكة فلصاحب العمل التقدم بالمطالبة بالتعويض وجبر الضرر أمام القضاء السعودي وعند صدور الحكم لصالحه ينفذ على العامل، أما إن فسخ العامل العقد دون سبب مشروع وخرج من المملكة أو لم يعد في الموعد المحدد لعودته ولم تنتهِ مدة العقد، فان لصاحب العمل المطالبة بالتعويض أمام القضاء السعودي وعند صدور الحكم لصالحه يستطيع تنفيذ هذا الحكم في الدولة التي ينتمي أو يقيم فيها العامل خصوصاً في الدول التي وقعت اتفاقيات تنفيذ الأحكام مع المملكة، أو التي تطبق مبدأ المعاملة بالمثل.
لذلك نجد أن اغلب الدول تشرع مواد وأحكاماً تنظم بها تنفيذ الأحكام الأجنبية على أراضيها، وهذا ما جاء به نظام التنفيذ السعودي ولائحته التنفيذية في مواده الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة.
ومن الأمثلة على هذه الاتفاقيات الدولية لتنفيذ الأحكام الأجنبية (اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي). وقد تم تنفيذ عدة أحكام أجنبية داخل المملكة بعد التقدم من طالبي التنفيذ بتنفيذها أمام محاكم التنفيذ، وفي المقابل نفذت عدة أحكام سعودية خارج المملكة منها حكم اطلعت عليه صادر من إحدى المحاكم السعودية نفذ على مواطن مصري داخل جمهورية مصر العربية، وقد يذهب البعض إلى انه هناك جهد وتكلفة لتنفيذ الأحكام خارج المملكة، فنشير هنا إلى انه يوجد تعاون بين بعض مكاتب المحاماة بالمملكة مع مكاتب للمحاماة في الدول الأخرى وهذا بدوره يقلل من جهد وتكلفة تنفيذ الأحكام خارجياً.
ختاماً نجد أن التعاقد بصورة سليمة وفق الأنظمة المحدثة والمبادرات المطروحة يقي المنشآت من الوقوع في مشكلات إدارية وقانونية، ويلغي عنصر المفاجأة الذي قد يسبب الخلل في التخطيط، ويكون ذلك بالتنسيق الدائم بين جميع إدارات المنشأة قبل التعاقد ليتم موافقاً لاحتياجاتها وتبعاً لنوع وطبيعة العمل ومدة إنجازه، لتتمكن المنشأة على ضوئه من وضع الشروط والأحكام المنظمة للعقد.
والذي أراه ألا تعتمد المنشأة على نموذج عقد تتوحد فيه أحكامه لكل العاملين لديها - كما هو معمول به لدى بعض المنشآت - بل يراعى اختلاف هذه الأحكام من عامل لآخر ومن طبيعة عمل عن غيرها وفق متغيرات الأنظمة واللوائح والقرارات.
** **
- محام ومستشار قانوني
s.s.m.a@hotmail.com