خالد بن عبدالكريم الجاسر
كما تدين تُدان، حِكمةٌ بليغةٌ، وقاعدة عظيمة، جاءتْ الشواهدُ من الكتاب والسُّنّة دالَّةً على صدْقها، فكما تُجازِي تُجازَى، فـ «دِنْتُه بما صَنَعَ» أي: جازيتُه، وقد جعلَها اللهُ عِظَةً وعبرةً للناس؛ فأنشدها الإمام الشافعي - رحمه الله -:
سبل المودة عشت غير مكرم
يا هاتكًا حرم الرجال وقاطعا
ما كنت هتاكًا لحُرمة مسلم
لو كنت حرا من سلالة ماجد
إن كنت يا هذا لبيبـا فافهم
من يَزْنِ يُزْنَ به ولو بجداره
ولعل حادثة اغتيال فخري زادة ليست الأولى، إذ سبقه أربعة من علماء إيران النوويين في حوادث مماثلة بين عامي 2010 و2012، لأهداف هي ببساطة إلحاق أكبر ضرر ممكن بإيران اقتصاديا وببرنامجها النووي بينما يمكنهم ذلك، ثُم تعقيد مهمة بايدن المُتعلقة باستئناف المساعي الدبلوماسية والعودة للاتفاق النووي، وكأن إيران «ملطاخ» أي ألعوبة للرئاسة الأمريكية، والهدف الأخير، أن فخري زاده حسب وصف أجهزة المخابرات في إسرائيل ودول غربية، قائد برنامج سري للقنبلة الذرية «أماد» توقف في عام 2003، وتتهم إسرائيل والولايات المتحدة طهران بمحاولة إعادة تشغيله في السر، كون إيران بارعة مُنذ فترة طويلة في الحصول على المواد النووية والخبرة الفنية من السوق السوداء الدولية، لتكشف المعارضة الإيرانية أن إيران ما زالت تواصل جهودها لتطوير سلاح نووي من خلال برنامج آخر يسمى «سبند»، كما أن زاده كان يحمل ثلاثة جوازات سفر استخدمها كثيرا للحصول على «أحدث المعلومات» من الخارج، وهو العالم الإيراني الوحيد الذي ورد اسمه في «التقييم النهائي» للوكالة الدولية للطاقة الذرية لعام 2015 للأسئلة المفتوحة حول برنامج إيران النووي وما إذا كان يهدف إلى تطوير قنبلة، حيث يُعتقد أن فخري زاده شارك في تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية، وأنه يُعتبر «أباً لهذا البرنامج»..
وينقلب السحر على الساحر.. والذي دأبت إيران عليه باختيار أساليب الشر والاغتيالات والتفجيرات والإرهاب، وهي التي لم تستطع حماية جثة إمامها أثناء دفنه، لتبكي طويلاً على مقتل قاسم سليماني، ثُم ثروتها في خبيرها النووي الذي يتمتع بالدعم الكامل من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.. ويبدو أن بعض خصوم المرشد أحبوا مبادلته الحرب بطريقته التي اعتاد عليها، لتحويل فشله الأمني والاستخباراتي إلى تجييش ديني ومذهبي يرفع من شعارات النظام ويعزز من أيديولوجيته الإرهابية بالمنطقة والعالم.. والأدهى وصف ظريف في تغريدة عبر حسابه على موقع «تويتر» أن «الإرهابيين الذين اغتالوا اليوم عالماً إيرانياً يدركون أن هذا عمل جبان»... متناسياً أعمالهم الخسيسة هنا وهناك.. وعلى الباغي تدور الدوائر كقول الشافعي:
فطوبى لنفس أولعت قعر دارها
مغلقة الأبواب مرخى حجابها