مها محمد الشريف
إذا كانت هناك معالم واضحة للواقع فإن التاريخ يستنطق الحوادث ويغير الأسئلة والأجوبة. وسيكون أكبر سؤال يواجهنا هو: هل أوشك نظام طهران على النهاية؟، وأصبحت الحتمية قريبة لنشاهد مستمتعين سرعة الزمن على نظام إرهابي هدمت فيه جميع الحدود وأصبح قبرًا فسيحًا لكل الأنشطة الإجرامية، كأفظع حقبة مرت به منطقة الشرق الأوسط، والتي تردت فيه الحكومات الجائرة وقد جهلت قانون الاعتدال، وحطمت إيران كل السبل إلى السلام.
إن الفكرة القائلة إن خيار إيران في قائمة الخيارات بعد مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري ينحو باتجاه التعقد والتأزم دون مقدمات وغير مريح على الصعيد السياسي واكتفوا بتوجيه الاتهام لإسرائيل، وبعض ردود الفعل الجامحة وما ينطوي عليه الأمر من أدوات الرد والكيفية عبر وسائل الإعلام وتضخيم النظام كما هي عادتهم، علمًا أن الوهن والضعف بالأجهزة الأمنية فضح النظام المهترئ وبذلك يسهل اختراقه، ولا شك أن تأثير العقوبات والحصار له دور مهم في هذا الضعف، ومن جهة ثانية تصفية مثل هذه الشخصيات مثل زاده وسليماني يعدُّ ضربة لكل مشروعهم لأن هؤلاء صناع قرار وليسوا تنفيذيين يمكن تعويضهم.
وفي الجانب الآخر، ستكون المرحلة القادمة صعبة ولن تقبل أمريكا بالعودة للاتفاق النووي إلا بتنازلات كبيرة من إيران لأن موقفها أضعف سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وستبقى سنوات عديدة تبحث عن مبدأ الحوار، ولكنها سوف تعمل على بناء المثلثات التي تستفز أمريكا بالتحالفات والمعاهدات والمواثيق الثلاثية مع الصين وروسيا، هكذا نظام طهران يؤجج ويفجر المطالب باستهداف القوات الأمريكية ومصالحها في المنطقة وعجزها المرتفع أساسًا يعوضه بلغة الشغب والتوترات، مهما كان نظامه ضعيفًا.
ليست ثمة أية فرصة أخرى لظهور محور آخر، فالمعركة ستستمر مع كل ما تجره معها من تداعيات، فالقتيل كان رئيسًا لبرنامج إيران العسكري السري، وأنه كان مطلوبًا لدى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد» على مدى سنين، واغتياله يوجه ضربة إلى إيران من الناحية النفسية والمهنية، فتحديد نقاط الضعف الإيراني خفية لا يشعرها إلا حكومتها.
كما اعتبر شمخاني أن الاغتيال، الذي نفذ قرب طهران، كان عبارة عن «عملية معقدة استخدمت فيها أجهزة إلكترونية، ولم يكن ثمة أي شخص في المكان»، مضيفًا «استخدم العدو أسلوباً جديداً بالكامل، واحترافياً»، إن الأخطاء لا تولد إلا أخطاء مهما ازداد عدد اللاعبين وازدهر بهم العمل السياسي.
لذا، سيكون من السذاجة هذا التضخيم من إيران وهم على مدى شهور يخفون عدد التفجيرات الضخمة في المواقع الإستراتيجية المتتالية دون الإعلان عنها، فلا يشجب شمخاني ما حدث بالأمس، لأن استمرار العديد من الأزمات السابقة بالإضافة إلى أزمات جديدة تغطي الرقعة السياسية الإيرانية، فإن الشيء الوحيد الذي يبدو واضحاً للعيان الآن أن النظام القديم قد دخل في متاهة لا نهاية لها وأفل نجمه وبدأ العد التنازلي للنهاية، ولم يبق سوى تأجيج للشارع الإيراني والمجتمع الدولي، فهي تغذي نزوعاً نحو المزيد من التشظي، ففي غياب الدولة يصعب السيطرة على العقول، وقد بدأت مرحلة جديدة تجعلنا نميل إلى القول إن الغاية منه تعزيز العزلة لهذه الدولة المارقة، لينتهي الأمر بهذا النظام إلى مزبلة التاريخ.