أ.د.عثمان بن صالح العامر
اليوم ليس كالأمس، فأنت باعتبارك مواطناً سعودياً (مستهلكاً كنت أو مستثمراً) يجب أن تكون واعياً لطبيعة المرحلة التي نمر بها، مدركاً حجم التغير الحادث جراء رؤية المملكة 2030 التواقة للمجد، المتطلعة للقمة القائمة على تنوع مصادر الدخل.
نعم.. من الضروري جداً أن تكون على الأقل عارفاً بأبجديات التخطيط الإستراتيجي، مطلعاً على حركتك المالية الأسرية والاستثمارية، ومتابعاً لدورة الريال في مشاريعك الاقتصادية، كبيرة كانت أو أنها صغيرة.
لقد انتهى -في نظري - وقت (وضع العربة قبل الحصان)، وصار لزاماً عليك قبل أن تضع العربة أن تتأكد من قوة حصانك وقدرته على جر العربة ومقدر الحمولة التي باستطاعته تحمّلها والوصول بها بسلام، ولن يتأتى لك ذلك إلا بإجراء دراسة الجدوى الاقتصادية الحقيقية الدقيقة لا الشكلية المسروقة -كما هو الحال في سالف الأيام - قبل الشروع في مشروعك الاستثماري.
سيطرد السوق السعودي كل مندس فيه وليس من أهله، وسيخرج منه كل مدع وصلاً به وهو مدير ظهره له، وسيأتي له ويدخله الجادون وأصحاب الأفكار الابتكارية والمشاريع الاحترافية الواعدة، ولذلك إن لم تكن منهم فلترحل بأقل الخسائر اليوم، فالمنافسة في نظري كاملة، وتحديات البقاء حقيقية، وخصوصاً أن هناك جيلاً من الشباب والفتيات لديهم أفكار استثمارية تفي بمتطلبات الجيل وتتوافق مع رغبات الأكثرية، ولا تتعارض مع ثوابت ومسلَّمات الدين، وتنسجم وتتوافق مع سياسات وأنظمة الدولة وقوانينها، وأنت صاحب القرار في النهاية.
لقد أدركت العمالة الأجنبية التي كانت تنخر في سوقنا المحلي ردحاً من الزمن هذه الحقيقة الساطعة التي تنم عن قوة اقتصادية واعدة وعمل مؤسسي متقن، فكان منهم الرحيل، والواجب علينا نحن كذلك أن ندرك طبيعة السوق السعودي في عهدنا الجديد، فيكون منا البحث والاطلاع عن مشاريع جديدة، والقراءة المركزة عن المشروع الذي ننوي تبنيه، ولنعقد جلسات العصف الذهني مع القريبين من المجال، ولنجرِ الدراسات الاستشارات الاقتصادية والإدارية من خلال مكاتب متخصصة التي من الواجب عليها إجراء الدراسات الميدانية والمقارنة بكل مصداقية وشفافية ووضوح دون أن يكون الهدف الرئيس لديها أخذ المال حين الحصول على التراخيص اللازمة.
إن من عيوب سوقنا المحلي في السابق اعتماد شريحة عريضة من المستثمرين على التقليد والمحاكاة لمن سبق لهم الدخول ونجحوا اعتقاداً منهم جازماً بأنهم سينجحون مثل ما تحقق للسابقين ذلك وهذا ليس دائمًا، ولذلك غاب في سوقنا الداخلي التجديد والابتكار إلا نادراً للأسف الشديد. كما أننا كنا وما زلنا نركِّز بشكل كبير على القطاع الخدمي دون مغازلة القطاع الإنتاجي الصناعي بحجة وذريعة أن نسبة المخاطرة فيه أعلى، والعائد المادي منه يحتاج إلى وقت أطول، فضلاً عن رأس المال العالي، وهنا يمكن التفكير الجاد بالتعاونيات المدعومة بشكل كبير من قِبل الدولة حرصاً على تطوير هذا القطاع التنموي - المجتمعي المهم، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.