زكية إبراهيم الحجي
عندما يريد أي مؤرخ تأكيد ما يؤرخه فعادة ما يتذكر عبارة «إن الذي لا يقرأ التاريخ يكرر أخطاءه» والحقيقة أن قراءة التاريخ من الأمور الممتعة رغم ما يشوبه من بعض التزوير والتزييف وبعض من الخرافات وشيء من التشكيك أو التشويه ورغم ذلك قد يتساءل أحدهم هل التاريخ ضروري للإنسان ثم ما جدوى دراسته خاصة في عصر يتسم بالثورة التكنولوجية والزخم المعلوماتي الذي لا يتوقف عن التدفق وهل من يكتب التاريخ هم المنتصرون فقط.
التاريخ مصدر لاندفاع الشعوب نحو إثبات الذات وتحقيق التقدم ولكي نُكون رؤية عن المستقبل لابد من استلهام أحداث التاريخ وربطها بالحاضر ومكوناته، أما مجرد التغني بأمجاد الماضي دون استحضاره في حاضرنا لفهمه وتحليل تفاصيل الوقائع والأحداث التي مضت وانقضت فذلك يعني هروباً من مواجهة الحاضر والاستعداد للمستقبل.. لكن السؤال الذي يُطرح إلى أي مدى يمكن توظيف التاريخ لربط المجتمع بمآثر ماضيه والاستفادة من الخبرات والتجارب التي تعد خزيناً قوياً من أدوات التفكير والحكمة والرؤية الشاملة لعدد كبير من الوقائع والأحداث التاريخية.. لا شك أن من أهم الأمور التي يمكن من خلالها مواجهة التحديات التي قد تواجهنا في حاضرنا أو يفرضها علينا المستقبل تكمن في طبيعة التحولات الجذرية التي يعيشها العالم وما زال يتفاعل معها في ظل الانفتاح المعرفي والسيل المعلوماتي الذي لا يكاد يتوقف مع استمرار الزمن وتتابع وتنوع الأحداث من سياسية واقتصادية..ثقافية واجتماعية هذا إلى جانب تعدد المنصات الإعلامية التي سحبت البساط من الكيانات الإعلامية التقليدية ونجحت في جذب الأنظار وتحول الحاضر إلى فورة تقدمٍ هائل.
استدعاء التاريخ كي يؤدي دوراً في حاضر المجتمعات إلى جانب معرفة استخدام المعلومات التاريخية الأقرب إلى الحقائق كجزء من المعرفة الأساسية سيخلق نوعاً من المقارنة من خلال التشابه والاختلاف بين أحوال الظروف الزمنية المتباينة وذلك للاستعانة في بناء نظام كيفي لاستشراف المستقبل ومواجهة التحديات التي تفرضها الأحداث المستقبلية.. لا شك أن قراءة التاريخ تمدنا بجانب من المعرفة والحكم والعبر ذات قيم عملية تبين لأي مجتمع الوسائل التي تُمكنه من أن يجعل حاضره مستقبلاً مشرِفاً.. ما أجمل أن ننظر إلى الماضي بعين المستقبل.. وما أجمل أن نحرك معلومات ومعارف تاريخية أفرزتها وقائع وأحداث مراحل ماضية وننقل نتائجها من سياقها الزمني لتدمج في تفاعلات الحاضر.. من هذا المنطلق أرى أن أي متشكك في قيمة التاريخ وما مرت به الأمم من أحداث مختلفة فإن فهمه يقتصر على أن التاريخ هو الماضي الذي دفنه الزمن والحقيقة أن التاريخ بأحداثه ووقائعه ليس إلا حلقات زمنية متصلة يشمل الماضي والحاضر والمستقبل.