د.محمد بن عبدالرحمن البشر
علينا في المملكة العربية السعودية ودول الخليج أن نحمد الله تعالى على ما أسداه لنا من نعم، وما جنبنا من سقم، وما أعطانا من خير فأتم، وما أحوجنا إلى حمد الله قولاً وعملاً، فله الشكر والثناء.
عبر ما هو متاح من أدوات إعلامية، نشاهد ونقرأ ونسمع صفوفاً من البشر تصطف، ساعات للحصول على رغيف خبز، ليملأ بطونًا فارغة، ويروي عطش أفواه فاغرة، أما لضياع الأمن بسبب الاقتتال الداخلي، أو سوء التدبير، أو عنصرية مقيتة، أو بسبب جائحة كورونا.
في سوريا الشقيقة رفع الله عنها ما تعيشه من أسى، من فقد المال والدار، وتشريد العباد، واقتلاع الأشجار، ونقص الثمار، وقتل الناس بعضهم بعضاً، لسبب لا يساوي ما تلاقيه، وما تعانيه، استغلت دول كثيرة بداية الشرارة، فهبت دول عديدة، تحمل كل واحدة منها في جعبتها أيدلوجيتها، ومصالحها، وسارعت للنفاذ إلى البلد العظيم، الذي عانى سنين طويلة من الظلم والجبروت والطغيان، وكان جمع حشود من كل جانب أيسر من التقاط حب من إناء، ومن تلك الحشود من يؤمن داخله بما يحارب من أجله وإن كان على ضلال، ومنهم من يعرف الحق من الباطل لكن مصلحته الشخصية تدعوه إلى تبني منهج معين سواء كان ذلك أيدلوجيًا أو انفصالياً أو عرقياً.
هناك حشود إرهابية لا تبالي بشيء سوى القتل والدمار، وأخرى تابعة لا يعلم بعضها ما يراد به ومنه، وبعضها عميت بصيرته وسار في درب دون تفكير، ولا شك أن هناك حشودًا أخرى تم الاستفادة منها لتنفيذ طموحات سياسة محلية أو خارجية.
دعونا من هذا، فالنتيجة هي التي تظهر الصواب من غيره، والنتيجة أن جمعًا كثيرًا في معظم مناطق البلاد تصطف ساعات للحصول على قوت يوم لا يتجاوز رغيف خبز، ربما يتم غمسه في أي شيء متاح، مع أن هذا البلد الكريم وأهلها الكرام، كانوا من بناة الحضارة القديمة، إن لم يكونوا نباتها، ومن العجب أنهم أول من اكتشف الزراعة على وجه الأرض، وهم أول من استقر وزرع، وروض بعضاً من الحيوانات، وشارك على مر التاريخ بشكل استثنائي في بناء حضارة العالم المتراكمة، فلا يمكننا نسيان الأموريين والحضارة الحورانية، والحيثية، والفينيقيين، وغيرهم، وكذلك ما تلاها من مساهمات رائعة، ولعل آخرها الدولة الأموية واتساع رقعتها، ونشر الإسلام في بقاع الدنيا، ورجال مثل وسيف الدولة الحمداني، والمتنبي، والمشاركة مع صلاح الدين.
لا يمكن أن يتخيل الإنسان أن هذه البلاد التي بذر فيها أبناؤها أول بذرة في التاريخ لكي تنتشر الزراعة في العالم، يقف أولئك الأحفاد في صفوف للحصول على رغيف عيش، بتدبير من دول خارجية، وتنفيذ من أبنائها بسبب فكر ظلامي مقيت، أو من منهج عنصري، أو خدمة مصالح أجنبية.
في إفريقيا، أرض معطاة، وأنهار وأمطار، ومروج وأشجار، ومع ذلك فإن بعضاً من تلك الدول تعاني من الفاقة، ولا تخلو من الحاجة إلى طعام في كل عام سواء شح القطر، أو سح ونراهم في صفوف تنتظر قافلات الإغاثة تقدم إلى بلادهم لحصول المواطنين على قليل من الدقيق أو الزيت، أو الملبس.
في بعض دول آسيا عانى بعض أبنائها من مآسٍ يدمي لها الجبين بسبب اختلاف في العرق أو المعتقد، وجر بعضهم من قراهم وبيوتهم التي لا تتجاوز قليل من الصفيح، ونراهم في صفوف يسيرون على الأقدام تائهين لا يعلمون مآلهم.
في أغنى دول العالم الولايات المتحدة الأمريكية، أصابها ما أصاب العالم من جائحة كورونا، وفقد البعض وظائفهم وأفلست شركات، وعانى أصحاب المؤسسات الصغيرة، وأقفلت المطاعم، وكان النتيجة، زيادة في الطلب على بنك الغذاء، حتى أن وسائل الإعلام الأمريكية نقلت لنا أن بعضاً من المواطنين يقفون للساعات عديدة، انتظاراً للحصول على الغذاء، سواء كان غداء أو عشاء، وأصبح الطلب من المحتاجين أكثر مما يمكن توفيره من بنك الغذاء في بعض الفترات.
نحن هنا -ولله الحمد- لا نرى تلك الصفوف، ولا نشاهد الناس وقوفًا للحصول على طعام أو كساء، في ظل هذه الجائحة الكبيرة التي أثرت على السلعة المهمة لدينا وهي النفط، فعلينا أن ننظر لما نحن فيه لشكر الله أولاً، وندعوه أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان، وأن يكفينا شر الأعداء المتربصين وأعوانهم كما تفعل إيران، وأن يمحق الإرهاب وأهله، الذين يقتلون الناس بغير ذنب اقترفوه، أو جناية ارتكبوها، الذين نصبوا أنفسهم لتكفير الناس وقتلهم. حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا، ومن حل بها من المواطنين والوافدين.