ميسون أبو بكر
رحل مارادونا قبل أيام وقد أثار رحيله ضجيجًا كبيرًا حول العالم، حتى جدتي الثمانينية التي لا تتابع الرياضة، ولم تسافر يومًا للأرجنتين، ولا تعرف أين تقع على الخارطة، سألت من هو مارادونا، وجلست تتتبع ماذا يقول من حولها عن هذا الرجل (الأسطورة) الذي لا تعرفه الملاعب الخضراء فحسب، بل تعدى صيته حدود دولته البعيدة؛ لتضعه الرياضة في قلب العالم.
مارادونا هو أحد الأمثلة التي ناقشتُها في حلقات تلفزيونية مع مثقفين عرب، طرحتُ عليهم السؤال الآتي: لماذا نجح الرياضي في أن تكون له شعبية كبيرة وحضور مؤثر حتى بعد رحيله بينما لم يستطع المثقف العربي!؟ ولماذا تباع روايات ماركيز المبدع اللاتيني ككتب جيب صغيرة بالآلاف، بينما قد تجد طالبًا جامعيًّا عربيًّا لم يسمع بروائي أو شاعرة من بلادنا، أنتجوا عشرات الكتب، وحضروا مهرجانات عالمية وفي مسارح معروفة؟!
لعلك أيها القارئ الكريم توافقني الرأي بأن الجواب ليس لأننا شعب رياضي نهوى الرياضة، أو أن لها طقوسها في مجتمعنا، سواء عند الرياضيين أو الناس العاديين؛ فلو سألت شريحة كبيرة إن كانت تمارس الرياضة أو المشي لكانت إجابات الأغلبية بالنفي - رغم أن هناك تقدُّمًا اليوم، ووعيًا أفضل من السابق - لكن الرياضة التي يتفق عند ملاعبها جمهور عريض، ويختصم أيضًا جمهور الأندية المختلفة، هي من استطاعت أن تجعل لها جمهورها العريض، وشعبيتها الكبيرة، وشعبية واسعة للاعبين، الذين أتحداك إن لم يكن أطفالنا يرددون أسماء معظمهم، بينما لو طرحنا أسئلة - وقد فعلناها في برنامج المقهى الثقافي - عن اسم أديب أو شاعر أو روائي حديث لوجدت ندرة من يذكرون لك اسم أحدهم!!
ولعلني هنا لا أنحاز أو أحزن على المبدعين، بل أوجه أصابع الإدانة إليهم؛ لأنهم لم يحققوا تلك الشعبية والحضور والخروج من أبراج عالية، ليس لها نوافذ أو أبواب على البسطاء، أو لأن كتاباتهم المقعرة لم تقرع كل قلب، ولم تداوِ جراح البسطاء، ولم تدخل تفاصيل الحارة والبيئة البسيطة للناس، بينما نجح مارادونا في أن يهز شباك العالم وقلوب عشاقه، وأن ينتقم له محبوه بقتل مغسِّل الموتى الذي التقط صورة سيلفي معه فمات ميتة شنيعة.
مارادونا الذي أُوقف مرات بتعاطي جرعات من الممنوعات، ولاحقته سمعة سيئة بهذا الشأن، أجمع العالم على تكريمه ووداعه بما يليق؛ فنُقل جثمانه للقصر الرئاسي في الأرجنتين، وتم التحقيق مع طبيبه الخاص لإمكانية وجود إهمال! ولم يأبه ميسي بالحصول على إنذار أصفر حينما خلع قميصه، وكان مرتديًا قميص مارادونا الذي يحمل الرقم عشرة.
أعزي جمهور مارادونا برحيله، وأتمنى أن نحصل على شعبية مماثلة لمبدعين من الكتّاب والرسامين الذين يرحلون بلا ضجيج، ويعيشون فقراء، ويقيمون فعالياتهم بلا جمهور يليق بإبداعهم.