د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
إذا أردت عدد مُذكّر قلت (ثمانية)، قال تعالى{ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} [143- الأنعام]، وإن أردت عدد مؤنث قلت (ثماني)، قال تعالى{عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ} [27-القصص]، و(الثمانية) التي هي فرع بالتاء على (الثماني) اسم صحيح منصرف لا إشكال فيه، وأما (الثماني) فله حالان: حال يكون فيها مفردًا كما في الآية السابقة في سورة القصص، وحال يكون فيها مركبًا مع العشرة، نحو «بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ الشَّهْرِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً»(1).
الأولى: المفرد الثماني ولها أعاريب
1-إعرابه إعراب المنقوص: ولا جدال في دلالة (الثماني) على الجمع؛ ولكنه اسم جمع لا جمع تكسير، فليس مثل الجواري جمع الجارية أو البوادي جمع البادية، فإن الياء من الجواري لام الفعل فوزنه الفَواعِل؛ لأن الجذر (ج/ر/ي)، وأما الثواني فوزنه الفَعالي؛ لأن جذره (ث/م/ن)، والألف في الجواري ألف الجمع وليست الألف في الثماني للجمع، والجواري جمع الجارية، وليست الثماني جمع الثامنة؛ إذ جمعها الثوامن.
والذي دعا النحويين إلى التنبه إلى ذلك وجدانهم اللفظ مصروفًا في لغة العرب، «قَالَ زُهَيْرٌ:
وَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَلْمَى سِنِينًا ثَمَانِيًا
عَلَى صِيرِ أَمْرٍ مَا يَمُرُّ وَمَا يَحْلُو»(2).
ويرى النحويون أنّ هذا الاسم منسوب، لفظيًّا(3)، إلى (ثَمَن) أي: ثَمَنيّ؛ ولكنه لم يُستعمل في صورته المفترضة هذه بل بصورة متحولة عنه، بحذف إحدى ياءي التصغير والتعويض عنها بألف: (ثماني)، ولعلنا نقول مطلت فتحة الميم تعويضًا، وهي عندهم مثل (يمنِيّ) الذي قيل فيه (يماني) بألف وياء غير مشددة، قال الفارسي «فأما ثمانٍ فالألف فيه ليست بألف جمع، إنما هي عوض من إحدى ياءي النسب، كما أنها في (شَآم) عوض منها، وكذلك في (شَآم ويَمانٍ)، ألا ترى أنه لا ألف في واحد منهما، إنما هو (يَمَنٌ وشامٌ)، ويدلك على أن الألف عوض من إحدى الياءين لأنك إذا ثَقَّلْتَ الياء قلت: شاميٌّ فحذفت الألف، فلم تثبت الألف مع هذين الياءين في الكلام فثَمانٍ مثل ذلك. قال أبو علي: كأنه منسوب إلى (ثَمَنٍ)»(4). فهو بما انتهى به من ياء نسب مخففة منقوص ينصب بفتحة بعدها تنوين، ويرفع ويجرّ، فيتوالى الياء والتنوين فتحذف الياء، والحادث من حيث الصوت أنّ التنوين وياء المد يكونان مع الألف مقطعًا طويلًا مقفلًا، وهذا يُتخلص منه في العربية، فتقصر الكسرة الطويلة (ياء المد).
2-معاملته معاملة المجموع على صيغة منتهى الجموع فينصب بفتحة من غير تنوين، كما يعامل (جوارٍ). قال ابن ميادة:
يَحْدو ثَمانِيَ مولَعًا بِلِقاحِها … حَتّى هَمَمْنَ بِزَيْغَةِ الإرْتاجِ(5)
ذكر الفارسي أن بعض الشعراء جعل ثَمانِي بمنزلة (حَذاري) جمع حِذْرِيَة(6)، «قال أبو علي: توهم هذا الشاعر أن الألف في (ثَماني) التي هي عوض من إحدى ياءي النسب ألف جمع لما رأى أول الحرف مفتوحًا، ورأى بعد الألف حرفين كما أن الأول من (مَفاعِل) وحَذاري مفتوح، وبعد الألف في كل واحد منهما حرفان، وليس كذلك، إنما الألف في (ثَمانٍ) لما قلنا، وفي (حَذارٍ) للجمع»(7).
3-حذف الياء وإظهار الحركات على النون، قال ابن مالك «ثم بيّنت أن بعض العرب في الإفراد يجعل نونها حرف إعراب. ومنه قول الراجز:
لَها ثَنايا أَرْبَعٌ حِسانُ
وأربَعٌ فَثَغْرُها ثَمانُ»(8)
قال أبوحيان «فتقول: هذه ثمانٌ، ورأيت ثمانًا، ومررت بثمانٍ»(9). و»قال «ابن بري»: الكوفيون يجيزون حذف هذه الياء في الشعر وأنشد عليه «ثعلب»»(10)، وأورد البيتين. ولكن روى «أَبُو حَاتِم، عَن الأصْمعي، يُقَال: ثَمَانِيَة رجال، وثماني نِسوة، وَلَا يُقَال: ثمانُ؛ وَأنْشد الأصمعيُّ [البيتين]»(11).
فالإعراب الراجح إذن إعرابه إعراب المنقوص المنصرف، نحو: في هذا البلد أربع وعشرون مدينة، منها ثمانٍ كبيرةٌ تجاوزتها، ومضيت إلى ثمانٍ صغيرةٍ زرتها، وزرت ثمانيًا أخرى.
(للموضوع بقية)
... ... ...
(1) سنن ابن ماجه، 1: 537.
(2) ثعلب، شرح ديوان زهير، تحقيق: فخرالدين قباوة، ص83.
(3) قال سيبويه «وياء ثمانٍ كياء قمريٍّ وبختىٍّ، لحقت كلحاق ياء يمانٍ وشآمٍ وإن لم يكن فيهما معنى إضافة إلى بلد ولا إلى أب، كما لم يك ذلك في بختيٍّ» (الكتاب، 3: 231).
(4) الفارسي، التعليقة على كتاب سيبويه، 3: 53.
(5) ابن ميادة، ديوانه، جمع وتحقيق: حنا جميل حداد، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1982م، ق13/ب7، ص91.
(6) جاء في تهذيب اللغة (4: 267) «الحِذْرِيَةُ مِن الأرضِ: الخَشِنَةُ وَالْجمع حَذَارِيّ».
(7) الفارسي، التعليقة على كتاب سيبويه، 3: 56. وضبط المحقق اللفظ(حوار) بكسر الراء، وحذف الياء مع أن الوارد في المخطوطة حسب تعليقه (حواري) وهو أولى ولذا أثبته بالياء.
(8) ابن مالك، شرح الكافية الشافية، 3: 1674.
(9) أبوحيان، التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل، 9: 328.
(10) الشهاب الخفاجي، شرح درة الغواص، ص: 448.
(11) الأزهري، تهذيب اللغة، 15: 78. وردت (ثمانُ) في المطبوع ولعل الصواب (ثمانٌ).