محمد عبد الرزاق القشعمي
بدأت معرفتي بالأستاذ علي محمد محمد العمير المدخلي بوقت مبكر، إذ كان مديراً ومسؤولاً عن تحرير مجلة ( الجزيرة) أول مجلة ثقافية تصدر بالرياض عام 1379هـ/ 1959م، واشتهر بكتاباته الساخرة واللاذعة، وأصبح من خلال زاويته اليومية في جريدة (البلاد) تحت عنوان (على الماشي) النقدية مثار اهتمام ومتابعة.
بعد انتقال عملي إلى مكتبة الملك فهد الوطنية وبدأت تسجيل التاريخ الشفهي للمملكة، رغبت في زيارته والتسجيل معه، فعرفت من أصدقائه أنه قد تعرض لمرض غامض وغير معروف، فهو يبقى ثلاثة أيام متواصلة بلياليها نائماً أو شبه نائم، وزاد من ذلك عزلته بعد وفاة زوجته وتزوج أولاده وانتقال سكنهم عنه، عرفت رقم هاتفه بحي الأمير فواز بجدة، فبدأت أهاتفه من وقت لآخر، وكثيراً ما تفشل اتصالاتي لعدم وجود من يرد عليها، ولمحاولاتي المتكررة استطعت أن أسمع صوته، وبدأت أحدثه وأذكر له أسماء بعض أصدقائه بالرياض وشيئاً مما كان يجري بينهم من مناكفات وهجاء ونوادر. فبدأ يستعيد ذاكرته، وعرف مهمتي ورغبتي، فشرح لي وضعه الصحي، وبعد رجاء وإلحاح وافق على سفري له من الرياض، وقال: أنت وحظك! عرفت أن أحد أبنائه يعمل في جريدة عكاظ بجدة، فعن طريقه صار الوصول إلى المنزل يوم السبت 14 رمضان 1424هـ، فوجدته بانتظاري، فكان يفضل أن يكون الجلوس والحديث في مكتبته.. وهكذا كان، فبعد أن عرف المطلوب بدأت تسجيل حديثه قال: إنه ولد في قرية الجرادية بمنطقة جازان، وتلقى علومه الأولية في حلقة عبدالله القرعاوي، ثم حلقة ناصر خلوفة، ثم حلقة حافظ الحكمي، وكانت دراسته في علوم الفقه والحديث والتفسير واللغة العربية.
وبعد أن أسس المعهد العلمي بصامطة اختاره حافظ الحكمي ليكون أحد طلاب المعهد في المرحلة الثانوية متخطياً السنوات الأولى (التمهيدي)، وبعد حصوله على شهادة الثانوية بدأ حياته العملية كاتب ضبط في محكمة الموُسَّم الشرعية، في جنوب جازان – حدود المملكة مع اليمن- وذلك عام 1375هـ/ 1955م.
ووجد ضالته بعثوره على بعض أعداد مجلة (المنهل) التي يصدرها عبد القدوس الانصاري من المدينة فبدأ يهتم بالثقافة والأدب، وبدأ يكتب مشاركاته المتواضعة، وكان الأنصاري يقبلها وينشرها ويشجعه على المزيد، رغم أن أول مقال كتبه لها ناقداً أمير الشعراء أحمد شوقي.
طلب الانتقال ليعمل قريباً من المدن الرئيسية لوجود مصادر ومؤسسات ثقافية للاستزادة منه، فكان عمله في محكمة الكامل بمنطقة مكة المكرمة عام 1377هـ فبدأ الكتابة بمجلة الرائد لصاحبها عبد الفتاح أبو مدين عند صدورها، والذي شجعه بدوره مما وسع مداركه وأصبح يراسل أغلب الصحف والمجلات، ومع تعرفه على عدد من أدباء المنطقة الغربية بدأت مرحلة أخرى في الجد والاجتهاد، فأصبح يخوض معارك أدبية، ومساجلات فكرية، وازداد طموحه وثقته بنفسه مع انتقال عمله إلى رئاسة القضاة بالرياض عام 1379هـ/ 1959م) وكان مديرها العام الأديب عبدالله بن خميس صاحب مجلة (الجزيرة) وقد طلبه ليسأله إن كان هو من يكتب في مجلة الرائد وعندما عرف أنه هو طلب منه العمل معه في مجلة الجزيرة، وهكذا تحول من هاو إلى محترف، فأصبح مديراً لتحرير المجلة ومسؤولاً عنها لانتقال صاحبها للعمل وكيلاً لوزارة المواصلات ، ومع مسؤوليته عن المجلة انتقل للعمل مديراً للإعلام والنشر في وزارة المواصلات ورئيساً لتحرير مجلة وزارة المواصلات خلفاً لرئيس تحريرها السابق إبراهيم الناصر.
انتقل للعمل بجريدة (البلاد) مديراً لمكتبها بالرياض عام 1384هـ/ 1964م ثم سكرتيراً لتحريرها بجدة، ثم أصبح مديراً عاماً لمؤسسة البلاد حتى استقال عام 1396هـ/ 1976م ليتفرغ لأعماله الخاصة وليفتتح ( دار العمير للثقافة والنشر عام 1400هـ / 1980م، مع استمراره بنشر مقالات يومية في جريدتي عكاظ، ثم الشرق الأوسط، ومجلة المجلة لمدة عامين، بعدها بدأ المرض الغريب يغزوه، ولم ينفع معه علاج ، فطلب منه ناشر جريدة الشرق الأوسط هشام حافظ المجيء للندن للبحث عن علاج، وقال إن هناك طبيباً عالمياً مشهوراً اكتشف أن هناك فتحة صغيرة في الجمجمة لا ترى إلا بمكبر دقيق، وهذا الذي يسبب النوم المتواصل أو شبه النوم، وهو أن يبقى مفتح العينين بين النائم والمستيقظ، فيقول إنه لم ينفع معه العلاج، ولم يبق لديه سوى سائق وخادمة تعتني به وتدير منزله، فإذا استيقظ وجد الصحف والمجلات متراكمة إلى جواره بدأ يقرأ ويتابع الأخبار، ويجد الخادم وقد أحضر له كأس الحليب وقطع الخبز الناشف، وقد تعود على هذه الحياة.
ولهذا بعد مقابلته الأولى يوم السبت 9/14 كنت أتصل به يومياً ولا من مجيب.