هناك من يجزم بأن الحاسوب أو «الكمبيوتر» أو «الروبوت» أو «الأجهزة الذكية» ستحل محل البشر في العمل! فهل هذا التصوّر مقبول؟ وهل يوجد فرق بين «العقل الإلكتروني» والعقل الإنساني؟
الفرق الواضح والجلي هو أن ما تستطيع تخزينه ذاكرة الحاسوب، يفوق بأضعاف مضاعفة الذاكرة البشرية. كما أن ذاكرة الحاسوب لا تشيخ، بينما الذاكرة البشرية تشيخ وتُفْقَد جزئياً أحيانا. وعملية استرجاع المعلومة من الذاكرة تجري في الحاسوب بأجزاء الثانية، بينما يحتاج الأمر بالذاكرة البشرية إلى زمن أطول بكثير! ولكن ذاكرة الحاسوب هي ذاكرة صماء؛ فهي نتاج التلقين البشري؛ ولا تستطيع توظيف مخزونها بنفسها دون تدخل الإنسان.
من أجل أن يكون «توظيف» مخزون الذاكرة مجدياً، يحتاج الأمر إلى ذاكرة حيوية؛ أي إلى «وعي». والوعي غير موجود لدى الحاسوب، ولا يمكنه أن يكون إلا لدى الإنسان. فلو صنعنا 25 مليار «روبوت»؛ أي أكثر من ثلاثة أضعاف سكان الأرض؛ لا يستطيعون تشكيل مجتمع واحد. والوعي هو نتاج المجتمع، وقد سقطت خرافات «حي بن يقظان» و«طرزان» و«ماوكلي» في إثبات أن المولود البشري يمكنه أن يكون إنساناً لوحده دون المجتمع!
الوعي ليس حنفية لصب مخزون الذاكرة كما الحاسوب! إنما هو المخزون المعرفي الممتزج والمرهون بالعاطفة. فهو وليد العمل الاجتماعي؛ وهذا العمل مرهون بالهدف النبيل أو الرذيل؛ بالحب أو الكراهية؛ بالجرأة والشجاعة أو الخوف والحذر؛ بالعذاب أو المتعة أو العقاب أو...الخ. والازدهار أو التطور الاجتماعي، هو نتاج الصفة الإنسانية المسماة وعياً.
في مقولة شهيرة لـ«والت ديزني» قال بما معناه: «لو جمعنا مليون قرد؛ ووضعنا أمام كل منها آلة كاتبة؛ لمدة مليون عام؛ فهل يستطيعون إنتاج رائعة واحدة من روائع شكسبير؟». وهو يقصد أن القرد كما الكائنات الأخرى لا يمكنها أن تمتلك الوعي الإنساني. وإذا استعرتا مقولة والت ديزني؛ وجمعنا مليار «روبوت» بآلاتهم الكاتبة لمدة مليار عام؛ فهل يستطيعون إنتاج رائعة واحدة من روائع المتنبي؟
قال لي يوماً أحد الأصحاب؛ وهو متخصص بعلوم «الحاسوب»: - «سيأتي يوم يكون فيه «الحاسوب» هو الطبيب والمهندس والعامل والبائع والمشتري والمزارع والصانع، ولن يبقى للإنسان ما يقوم به»! واندلع بيننا جدال لا أذكر تفاصيله. ولكنني أقول الآن: إذا لُقِّنَ الحاسوب بكل المعلومات الطبية؛ وزرعت به مختلف «برامج» التشخيص والعلاج؛ هل يستطيع المريض القابع في بيته؛ أن يستفيد من هذا الحاسوب؟ ... والجواب بالتجربة لا! فجمع المعلومات يحتاج لطبيب، وإدخال المعلومات ببرنامج إلكتروني خاص يحتاج لطبيب؛ واستخلاص التشخيص والعلاج يحتاج لطبيب أيضاً. أي أن كل حاسوب يحتاج إلى طبيب يشغله!
لقد راق لي ما كتبه أحد الأطباء الغربيين على لوحة عيادته الخاصة: «من أخذ التشخيص بنفسه عن طريق «google» ولم يستفد! فلا يأتي لعيادتي؛ وليذهب لـ«yah00».
** **
- د. عادل العلي