د. مساعد بن سعيد آل بخات
يسعى التعليم في أي مجتمع لتزويد الطلاب والطالبات بالمعارف والعلوم المختلفة، وإكسابهم المهارات اللازمة للتعامل مع الحياة، وتوجيه سلوكياتهم بما يتوافق مع قيم ومعايير المجتمع.
ومن المعروف لدينا بأنَّ التعليم في بعض دول العالم ومنها المملكة العربية السعودية يحظى بأعلى نصيب من الميزانية العامة للدولة, إلا أننا نطمح من التعليم في عصرنا الحالي ألا يكون مستهلكاً للمال بدون أن يكون هنالك أثر أو عائد بشري ومادي في آنٍ واحد.
حيث إنه لم يعد يُنظر للعملية التعليمية على أنها مجرد خدمة تقدم لأفراد المجتمع فحسب، بل أصبحت العملية التعليمية استثماراً يهدف إلى تحسين مستوى دخل أفراد المجتمع والذي يترتب عليه تحسين حياتهم بما يحقق لهم السعادة والرفاهية، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
فمفهوم الاستثمار مرتبط بمفهوم التنمية الشاملة، لأنَّ التنمية الشاملة تهدف إلى تحسين قدرة أفراد المجتمع في التعامل مع المعارف والعلوم المختلفة بما يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع والفائدة.
فقد أكد بعض العلماء المتخصصين في مجال اقتصاديات التعليم أمثال: دنيسون, بيكر, هاربيسون, مايزر, وتيودور شولتز ..إلخ على تعزيز فكرة القيمة الاقتصادية للتعليم, حيث يرون أنَّ «أفراد المجتمع المتعلمين هو أفراد أكثر إنتاجية», فكلما زاد استثمار دولة ما في التعليم كان تحقيق هذه الدولة لأسباب التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرغوبة أسهل وأيسر.
لذا سعت بعض دول العالم لمحاولة الاستثمار في التعليم بعدة طرق ووسائل، فمنها من ركزت على تعليم الطلاب بعض الحِرف المهنية، ومنها من دعمت البحوث العلمية بميزانيات ضخمة للاستفادة من نتائجها، ومنها من دعمت التعليم النظري بتعليم تطبيقي.. إلخ.
لذا سأضع هنا بعض المقترحات التي قد تُسهِم في جعل التعليم داعماً للاقتصاد في المملكة العربية السعودية وهي كما يأتي:
أولاً/ تحويل الطلاب والطالبات من متلقين للمعرفة إلى منتجين للمعرفة، من خلال تعديل المناهج الدراسية بما يتوافق مع متطلبات العصر, فقد أثبتت دراسات تيودور شولتز أن نسبة تصل إلى 50 في المائة من الزيادة في الدخل القومي في الولايات المتحدة الأمريكية يرجع إلى تحديث التعليم الأمريكي.
ثانياً/ إدخال مفاهيم سوق العمل في المناهج الدراسية لكي يتضح للطلاب والطالبات ما الذي يحتاجه المجتمع عند تخرجهم من المدارس والمعاهد والجامعات فيتخصصون بما هو مناسب لهم وعند تخرجهم يسهل توظيفهم فيدعمون اقتصاد الدولة ويقللون من معدل البطالة في آنٍ واحد.
ثالثاً/ دعم اقتصاديات التعليم الإلكتروني في التعليم العام والعالي, الذي يُقصد به «الاستفادة من الموارد المتاحة سواءً بشرية أو مادية في العملية التعليمية الإلكترونية من أجل توظيفها لتحقيق أهداف محددة بأقل كلفة ممكنة, وبأعلى جودة مطلوبة, وذلك من خلال الدراسة والبحث والإجراءات الإدارية المقننة, للوصول إلى تحقيق مفهوم اقتصاديات التعليم».
رابعاً/ استخدام استراتيجيات تدريسية فعالة مع الطلاب والطالبات، مثل: قاعدة 30 في المائة - 70 في المائة والتي تُشير إلى أنَّ دور المعلمين والمعلمات في الحصة الدراسية يكون بنسبة 30 في المائة (يخططون، ويتابعون، ويوجهون، ويعدلون، ويساعدون ..إلخ)، في حين يكون دور الطلاب والطالبات في الحصة الدراسية بنسبة 70 في المائة (يقترحون، ويناقشون، ويستكشفون, ويحللون ..إلخ).
خامساً/ إكساب طلاب التعليم العام حِرف مهنية من خلال دروس عملية تطبيقية في المدارس والمعاهد التي يُكتشف بها إمكانات وقدرات الطلاب التي قد تصبح لبعضهم هي الوظيفة المناسبة لهم حسب قدراتهم العلمية والمهارية، ولنا في تجربة غاندي في الهند خير مثال على ذلك.
سادساً/ الاستفادة من نتائج البحوث في الجامعات، خصوصاً في مجال: اقتصاديات التعليم، واقتصاد المعرفة، والتي تسهل علينا البدء من حيث ما انتهى منه الآخرون في كيفية جعل التعليم داعماً لاقتصاد الدولة.
سابعاً/ تقديم دعم معنوي ومادي للباحثين والباحثات في برامج الدراسات العليا في جميع الجامعات لتسخير مواضيع بحوثهم في مجالات اقتصاديات التعليم واقتصاد المعرفة والتنمية الاقتصادية.
ثامناً/ الاهتمام باكتشاف مواهب وقدرات الطلاب والطالبات في التعليم العام والعالي ومن ثَمَّ دعمها معنوياً ومادياً بما يكفل تحويل الأفكار إلى مُنتجات يُستفاد منها, ومن ذلك اعتماد وجود معلم للموهوبين في كل مدرسة وليس منسق للموهوبين كما هو معمول به الآن في بعض المدارس, بحيث تكون مهمة معلم الموهوبين وضع خطة عمل لاكتشاف مواهب الطلاب والطالبات لدعمها وإيصالها لخارج إطار المدرسة بما يعود على المجتمع ككل بالفائدة.
تاسعاً/ تخصيص الالتحاق بالبرامج التدريبية أو ورش العمل أو اللقاءات التربوية..إلخ التابعة لوزارة التعليم لمن يستحقها فقط, فكل نشاط له فئة مستهدفه به, ولا يحق لغيرهم الالتحاق به, فمثلاً: تدريب من لا يستحق التدريب يُعد هدراً للمال.
عاشراً/ إيجاد شراكة فعالة بين القطاع الخاص والمؤسسات التعليمية لدعم برامج وأنشطة التعليم في هذه المؤسسة التعليمية, ومن ذلك ما قامت به جامعة الملك سعود من إنشاء أوقاف الجامعة وجادة الجامعة واللتين ستدعمان خزينة جامعة الملك سعود لدعم برامجها وأنشطتها المتنوعة في محاولة للاستقلال بنفسها عن دعم وزارة التعليم.