د.شريف بن محمد الأتربي
جاءت جائحة كورونا لتغيِّر جميع المفاهيم وتبدِّل جميع الخطط والتوجهات التي كانت سائدة على الأقل لعشرات السنين الفائتة، ومن ضمن ما تأثر فعلياً وسلبياً بهذه الجائحة، التطوير المهني والتدريب خاصة للمعلمين، الذين وجدوا أنفسهم أمام خيار واحد لا ثاني له وهو التعليم عن بعد، مما استلزم لكثير منهم الخضوع لدورات تدريبية عبر منصات رسمية أو غير رسمية لمواكبة هذا التغيير المفاجئ، وفي ذات الوقت لم يتسنَ للقائمين على التعليم الوقت الكافي لدراسة هذا التغيير وبالتالي وضع الخطط البديلة له.
لقد كان من أهم ما يواجه التربية من مشكلات في عالمنا المعاصر التغير الدائم والتطور المستمر في المعرفة والتقنيات، وهذا ما كان يُلقي بظلاله على مجال التدريب، حيث أصبحت تركز على ثلاثة محاور؛ أولها التخصص، ثانيها احتياجات العمل، وثالثها وليس آخرها التقنيات.
والمُتأمل لمفهوم التدريب يجده مفهومًا مُتعدد التعريفات، لكن مضمونه متشابه إلى حد كبير، فجميع تلك التعريفات تُركز على أن التدريب يعمل على إكساب المهارات والاتجاهات وتنمية المعارف والمعلومات للمتدربين.
ومن مفاهيم التدريب ما ذكره الفالوقي، أن التدريب هو شبكة شاملة تكمل العنصر التربوي المهني، الذي تم تزويد الفرد به في أثناء فترة الإعداد الأولى، وذلك بتقديم البدائل لتحقق النمو والتطوير في الجوانب المهنية والمعرفية والذاتية، وتمثل هذه البدائل الطرق والأساليب المتوافرة أمام الأطر المهنية المدرسية لتوسيع المهارات الفردية المتعلقة بالمهنة وتنميتها، ولإعدادهم لأدوارهم ومهماتهم المهنية والوظيفية الجديدة بعد فترة الإعداد. بينما يرى هكان Hacan، R، G. أن التدريب هو الطريقة التي تساعد العاملين على أسلوب العمل المثالي في عملهم الحاضر والقادم بتنمية عادات وحركات ومهارات صحيحة بطريقة تزويدهم بعمل أو معلومات أو مهارات فنية.
وقد فرَّق بعضهم بين التدريب بشكل عام، والتدريب أثناء الخدمة، فيرى Beach Dale أن التدريب أثناء الخدمة يعني عملية إكساب المعارف والخبرات التي يحتاج إليها الإنسان في المعلومات والاتجاهات الصالحة للعمل والأنماط السلوكية والمهارات الملائمة من اجل رفع مستوى كفاية الأداء وزيادة إنتاجيته، بحيث يتحقق من الشروط المطلوبة لإتقان العمل والاقتصاد في التكلفة.
وحتى ينجح التدريب أثناء الخدمة فلابد من تحديد أهداف برامجه التدريبية، حيث تعتبر عملية تحديد الأهداف وصياغتها من أهم العمليات التي يقوم عليها التدريب بصفة عامة، والتدريب في مجال تكنولوجيا التعليم بصفة خاصة، ولا يكون لبرنامج التدريب أي قيمة أو أثر على المستفيد منه إذا لم يتحدد الهدف، لأن الهدف إذا تم تحديده بدقة فإنه ييسر عمليات الملاحظة والقياس والتقويم.
وتختلف أهداف البرامج التدريبية، فلكل برنامج تدريبي أهدافه الخاصة، والتي ترتبط بطبيعة موضوعات التدريب ومجالاته، وتخصصات المتدربين ومستواهم العلمي، ونوع التدريب ومدته ومكانه وأساليب تنفيذه، بمعنى أن أي برنامج تدريبي يسعى إلى تحقيق أهداف معينة. وهناك العديد من الأهداف التي ترمي إليها عمليات التدريب أثناء الخدمة لفئات متعددة من الدارسين أشارت إليها دراسات كثيرة منها ما أشار إليه هاريسون، حيث أشار إلى أن التدريب أثناء الخدمة يهدف إلى إكساب الأفراد معلومات ومعارف وظيفية تتعلق بأعمالهم وأساليب الأداء، ويطلق على هذا الجانب (هدف المعلومات)، والجانب الثاني يهدف إلى صقل المهارات التي يتمتع بها الأفراد وتمكينهم من استثمار الطاقات، ويطلق عليه (هدف المهارة)، والجانب الثالث يعمل على تعديل السلوك وتطوير أساليب الأداء التي تصدر عن الأفراد، وذلك من أجل إتاحة الفرصة للمزيد من التحسين والتطوير في العمل الإنتاجي وتأمين الوصول إلى أهداف إنتاجية متصاعدة، وهذا ما يسمي (هدف السلوك).
ولبرامج التدريب أثناء الخدمة أهمية كبيرة، حيث إن العديد من أسباب الإحجام عن توظيف تكنولوجيا التعليم يمكن معالجتها بالتدريب، فالتدريب يمكن أن يكسر حدة الخوف ويولد الثقة، والتدريب يمكن أن يوجد الألفة التي تدعم الابتكارية في التوظيف والتدريب ويدعم الاتجاه نحو الاستخدام والتطبيق الصحيحين.
ويحدد الفالوقي أهمية التدريب أثناء الخدمة ودواعي وجود برامجه وأنشطته والاهتمام بفعالياته في ثلاثة جوانب رئيسية هي: الجانب الشخصي، الجانب المهني، والجانب التخصصي.
ويتوقف اختيار الأساليب التدريبية الأكثر مناسبة للمحتوى على الأهداف المرجوة من البرنامج التدريبي، فقد تكون الأساليب متنوعة وتشمل:
1 - تأهيلية: وذلك لتأهيل العاملين غير المؤهلين تربويًا.
2 - تجديدية: وذلك لتجديد معلومات ومهارات العاملين في المنظمة أو المؤسسة، وذلك لكون المتدرب بحاجة إلى المعرفة باستمرار وإلى الاطلاع على كل جديد ومفيد في مجال عمله.
3 - توجيهية للأعمال الجديدة: وهي برامج تدريبية تهيئ المتدربين للوظائف والمهام الجديدة التي توكل إليهم.
4 - مبدئية للموظفين الجدد: وهي برامج تهيئ المتدربين لمعرفة المجالات التعليمية التي يتعاملون معها.
وهناك ألوان كثيرة من الاستراتيجيات التدريبية التي يمكن استخدامها في البرامج التدريبية لأخصائي مراكز مصادر التعلم أثناء الخدمة، منها، أسلوب المحاضرة، أسلوب المناقشة، أسلوب التدريب المصغر، أسلوب القراءة وإجراء البحوث، أسلوب الزيارات والرحلات، أسلوب التدريب العملي، ورش العمل التدريبية.
ومع ظهور جائحة كورونا زادت الحاجة إلى أساليب التدريب عن بعد، مثل شبكة مؤتمرات الفيديو، التدريب بالمراسلة، والتدريب من خلال قنوات التلفزيون المتخصصة، وهو من الأساليب المفيدة لحل مشكلات نقص المدربين المتخصصين وبعد المسافات.
ومن أساليب التعليم عن بعد التعليم المبرمج، حيث ينقسم فيه البرنامج إلى جزيئات صغيرة، وتنظيم تتابع الخطوات تتدرج في صعوبتها، وتجرب كل خطوة من هذه الخطوات بأقل نسبة من الخطأ.
وهناك الموديلات التدريبية، وهي عبارة عن وحدة تضم مجموعة من نشاطات التعليم والتعلم روعي في تصميمها أن تكون مستقلة ومكتفية في ذاتها لكي تساعد المتعلم أو المتدرب على أن يتعلم أهدافا تعليمية معينة محددة تحديدا جيدًا، ويتفاوت الوقت اللازم لإتقان تعلم أهداف الوحدة من دقائق قليلة إلى عدة ساعات ويتوقف ذلك على طول ونوعية الأهداف ومحتوى الوحدة، أو هي مجموعة من أنشطة تعليمية تعتمد على التعلم الفردي للمتعلم ومتضمنة المواد والأدوات وخطوات التنفيذ وتقويم الأنشطة طبقا للأهداف التي بنيت عليها، وتعد الموديلات من أكثر أساليب تفريد التعليم استخداما في مجال إعداد المعلم.
ويتوقف اختيار أسلوب التدريب الأمثل على: موضوع التدريب، حاجة المتدربين، حجم المتدربين، مكان التدريب، والإمكانات البشرية والمادية المتاحة للمتدربين. ولذلك أهمية كبرى في نجاح أسلوب التدريب مما يؤدي إلى نجاح برامج التدريب.
ولبرامج التدريب أثناء الخدمة مواصفات وأسس يجب مراعاتها عند إعداد برامج التدريب منها:
1 - مراعاة مبدأ تفريد التعليم في إعداد البرامج التدريبية.
2 - تطبيق أساليب التقويم المتطورة التي تعتمد على مصادر مختلفة للرجوع والتعزيز، وعلى معايير محددة.
3 - الاستفادة من البحوث والدراسات السابقة.
4 - الاستمرارية والتجديد في برامج التدريب أثناء الخدمة لكي يواكب التطورات العلمية والتربوية والاجتماعية والتكنولوجية.
5 - الاستفادة من النظريات وتطبيقاتها بترجمة الأفكار النظرية إلى ممارسات أدائية يمكن ملاحظتها في سلوك المتدربين.
6 - قيام برامج التدريب على مهارات محدودة مطلوبة في المواقف التعليمية.
7 - وضوح أهداف برامج التدريب وتحديد مستوى الأداء الذي ينبغي أن يصل إليه المتدربين بعد انتهاء البرنامج التدريبي.
8 - استثمار معطيات تكنولوجيا التعليم وتطبيق الاستراتيجيات الحديثة في التدريب حتى يكسب المتدرب مهارات تصميم الموقف التعليمية وتحديد الأهداف والاستفادة من المستحدثات العلمية.
ومع التوجه نحو استخدام التدريب عن بعد وخاصة لتأهيل وإعادة تأهيل المعلمين للتعامل مع برامج التعليم عن بعد والتي انتهجتها وزارة التعليم واعتمدتها قيادتنا الرشيدة حفظا على أبناء الوطن؛ فإن أدوات منصات التعليم الإلكتروني والبرامج التي تقدمها ينبغي أن تعد طبقا للنقاط الثمانية السابقة حتى يؤتي التدريب ثماره، خاصة مع الإشادة الكبيرة التي حظي به التعليم في المملكة خلال الجائحة والذي ورد في تقرير هيئة تقويم التعليم الأخير.