محمد آل الشيخ
الحقيقة التي لا يمكن أن يتجاوزها من يقرأ عن جمهورية الملالي في إيران أنها دولة دينية كهنوتية محضة، وتستقي فلسفة وجودها وشرعيتها، من الفقه الشيعي الاثني عشري، وتحديداً الذي يؤمن بولاية الفقيه. وهذا ما ينص عليه دستورها في إحدى مواده. كما نص الدستور أيضاً بقطعية، أنه لا يجوز الاتفاق على مخالفة هذه المادة؛ مما يعني أن أي تغيير فيها، يقتضي إلغاء الدستور الذي تستمد من دستوريته شرعية وجودها.
الولي الفقيه الآن هو (علي خامنئي)، وهو يملك صلاحيات سلطوية مطلقة، لأنه يعمل بالوكالة عن صاحب الزمان، وهو (المهدي المنتظر) الذي يؤمن بظهوره في نهاية الزمان جميع الشيعة الاثنى عشرية، وبالتالي يتمتع بكافة صلاحياته التي هي صلاحيات ربانية، فمن يختلف معها أو يعارضها، فهو يختلف مع الإله؛ أي أن صلاحياته مطلقة، ولا يحدها أي حدود. وهذا بالضبط ما كانت تمارسه الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا في القرون الوسطى، قبل أن يتحرر الإنسان الأوربي من سلطتها الظلامية، ويبتدئ عصر التنوير الذي تعيش فيه الدول الغربية حتى اليوم؛ لذلك يمكن القول وبعلمية إن جمهورية الولي الفقيه القائمة الآن في طهران لن تصمد، ولا يمكن أن تصمد، أمام متغيرات الثقافة المدنية المتبعة في كل بلدان العالم، حتى أضحت بمثابة شرط الضرورة لبقاء الدول واستمرارها، لذلك لابد لتلك الدولة الدينية، القادمة من تلافيف التاريخ إلا أن تسقط، طال الزمان أو قصر.
علي خامنئي الآن - كما يقول المحللون المتخصصون في الشؤون الإيرانية - بدأ يفقد مع تقدمه في العمر بعض قدراته، وبدأ الحرس الثوري، وهو عصاه الغليظة في الحكم، يتغول في اغلب القطاعات الإيرانية، ويحكم سيطرته عليها، كما أنه يتحكم في مؤسسات اقتصادية، تملك أموالاً ونشاطات تجارية كبيرة،، يديرها جنرالات من الحرس نفسه، ولا تخضع لأي رقابة حكومية ولا برلمانية، إلا مراقبة المرشد. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ماذا سيكون مصير هذا الغول المسلح إذا مات خامنئي وجاء مرشد غيره؟.
خليفته المتوقع، هو (آية الله ابراهيم رئيسي)، الذي يفتقر إلى الشعبية والقبول، فقد سبق له أن ترشح لشغل منصب (رئيس الجمهورية) لكنه لم يحظَ بأكثر من ثلث التصويت، وهزمه (حسن روحاني)، فضلاً عن أنه يفتقر إلى الكاريزما التاريخية، التي هي من أهم ما يجب أن يتوافر من صفات في الولي الفقيه؛ وهذا يعني أن جنرالات الحرس الثوري سيصبحون هم الحاكمين الحقيقيين، وسيبقى الولي الفقيه ظاهرياً هو الحاكم، لاستخدام صلاحيته المطلقة، والاستبداد بالقرار الداخلي وكذلك الخارجي دون شريك من رئيس الجمهورية أو البرلمان.
وهذا يعني أن جمهورية إيران الإسلامية ستتحول من كونها دولة دينية إلى (دولة عسكرية) على غرار الدول العسكرية الأخرى.
ومن هنا تبدأ في تقديري مرحلة السقوط، ولا سيما أن شرط (النمو الاقتصادي) تفتقر إليه تلك الدولة، وعدم النمو الاقتصادي، أو بلغة أكثر مباشرة (التدهور الاقتصادي، عادة ما يعصف بالدول المعاصرة، كما علمنا التاريخ، خاصة إذا كان النظام يفتقد إلى الشرعية التي تأسس عليها؛ فالاقتصاد الإيراني تعرض لعقوبات وحصار في غاية الشدة، وبالذات في بنيته التحتية، واهتزت كثيراً العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وهذا ما تشير إليه المظاهرات التي تخرج بين الحين والآخر في شوارع المدن الإيرانية، ويقمعها الحرس الثوري، إلا أن غياب (خامنئي)، وتولي جنرالات الحرس الثوري مباشرة السلطة، سيجعل كثيراً من رجال الدين ينضمون إلى المعارضة، ومثل هذا الانشقاق في المؤسسة الدينية سيكون بمثابة رصاصة الرحمة للنظام المترنح، الذي عجز عن أن يخرج من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة.
وفي رأيي، وقد كتبت عن ذلك في مقال سابق، أن غياب خامنئي سيكون بمثابة غياب الرئيس اليوغسلافي تيتو، الذي انفرط عقد الجمهورية اليوغسلافية بغيابه، ونتج عنه تفككها؛ وإيران كما كانت يوغسلافيا، متعددة الديانات والمذاهب والقوميات والأعراق، وستتفكك إيران كما تفككت يوغسلافيا في المستقبل القريب، بمجرد غياب خامنئي.
إلى اللقاء