د.عبدالمحسن بن محمد الرشود
عندما قرأت إهداء صاحب السمو الأمير عبدالعزيز بن محمد بن عياف آل مقرن الذي تفضَّل عليَّ كتابه الجديد «الإدارة المحلية والقطاع البلدي.. التحديات والفرص الضائعة».
تذكرتُ على الفور كتاب الراحل الدكتور/ غازي القصيبي -رحمه الله- «حياة في الإدارة»، ذلك أن الكتابين يؤرخان لحقبة معيَّنة، سرد كل منهما قصة مواجهته للتحديات واهتباله الفرص المتاحة.. وتسجيله للفرص الضائعة. وكما أن د. غازي أرَّخ لجهوده السياسية الإدارية والدبلوماسية... فإن بن عياف في هذا الكتاب يعدُّ من وجهة نظري أوَّل من أرَّخ للعمل والقطاع البلدي وما مرَّ به من معطيات اجتماعية وإدارية واقتصادية في المملكة العربية السعودية، وما زال يعكس صورة حالية ويضع رؤية مستقبلية مواكبة لرؤية 2030 وما فيها من إرهاصات إبداعية..
أما ما جعل كتاب ابن عياف سابقة أدبية وإدارية، فذلك للأسباب التالية:
أولاً: خلَّد الكتاب مآثر وآثار ملكنا المحبوب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض سابقاً عندما كان يقود دفة إدارة مدينة منطقة الرياض باتجاه النماء والتنافسية المعاصرة، والتي بلا شك هي من أوصلت الرياض المدينة إلى الصورة التي نراها الآن عليها.. والدعم الكبير من مقامه الكريم لسمو الأمير ابن عياف.
ثانياً: كشف الأمير ابن عياف التحديات والفرص الضائعة والجهود الكبيرة على مدى ربع قرن من الزمان التي جاهدت فيها أمانة منطقة الرياض بشكل لافت يجعل الرياض تستوعب 7 ملايين نسمة بعد أن كانوا لا يصلون إلى مليون نسمة. وعندما كانت المساحة أصغر مما هي عليه الآن عشر مرات... وأوضح الأمير بطريقة عملية وليست نظرية دور الإدارة المحلية والقطاع البلدي في النهوض بالعمل الإداري والبلدي تحديداً والخروج به إلى المجتمع والفكر خارج الصندوق مما أعطى الأمانة مساحة واسعة للتصرف بعيداً عن المؤسسات الحكومية المحكومة بأنظمة صعبة الاختراق. يقول ابن عياف في صفحة (224-245) جميع التسعة المشاريع التي أعلنت فيها أمانة منطقة الرياض في عام 1429هـ - 2008م للتطوير الشامل وينفذها القطاع الخاص في مواقع مختلفة من مدينة الرياض تشمل:
- مخطط درة الرياض في بنبان شمال مدينة الرياض وبمساحة تفوق ثلاثة ملايين متر مربع وتقوم عليه شركة دلة.
- مخطط شمس الرياض في الملقا على طريق الملك خالد شمال غرب الرياض وبمساحة تفوق خمسة ملايين متر مربع وتقوم على شركة دار الأركان.
- مخطط الوصيل في الملقا على طريق الملك خالد شمال غرب الرياض وبمساحة تقارب أربعة عشر مليون متر مربع وتقوم عليه شركة دبي ليتمليس.
- مخطط إجمكان في الخزامي شمال غرب الرياض وعلى مساحة تقارب مليونًا وسبعمائة ألف متر مربع وتقوم عليه شركة التعمير وشركة الشعلة.
- مخطط اللاوندة في الملقا..
- مخطط نسمة الرحاب في الثمامة شرق الرياض.
- مخطط الحكير في الملقا على طريق الملك خالد...
- مخطط الأمير الوليد بن طلال شرق الرياض.
وهكذا.....
ثالثاً: تطرق ابن عياف إلى دور القطاع الخاص في النهوض بالعمل المحلي ودور المطورين العقاريين في النهوض بالبنية التحية والمخططات الشاملة التي تجعل المواطن يسكن في مسكن محاط بالخدمات.. وليس كما كان الوضع سابقاً يبيع العقاريون أراضي بعيدة بدون خدمات ويجعلون المواطنين يطالبون بإيصال الخدمات لمواقع بعيدة جداً، جعلت الأمانة تواجه هذه الصعوبات واحتقانات المواطنين.. وركَّز الأمير على أهمية الشراكات والتحفير للقطاع الخاص واحتضانه ومواجهة العقبات البيروقراطية بكل أشكالها.
رابعاً: تحدث الأمير عن جانب الأنسنة وجعل الرياض مدينة أفراح في الأعياد، والمسرحيات، والمماشي المخصصة للرياضة، والحدائق، والمقاهي (وأنسنة المدينة) الملاعب، الساحات الخضراء الشعبية، ومهرجان الزهور، وهكذا مما يصعب إيراده في هذا المقال.
وحقيقة الكتاب مرجع وسيرة عطرة لرجل عمل بصدق وبدعم من خادم الحرمين الشريفين ملكنا الحبيب سلمان بن عبدالعزيز، ذلك أنه في ثمانية فصول وفي 312 صفحة فصَّل في فصول الرياض الكبرى - الإدارة المحلية - الواقع والمأمول - الجانب الإداري والاستثمار - الجانب المالي - الجانب التخطيطي - الفرص الضائعة وتعظيم استثمارها - قضايا ملكيات ومنح الأراضي - أنسنة المدينة - المبادرات...
ولو ركَّز القارئ على قضايا المنح في الفصل السابع لاكتشف صعوبات المنح للمواطنين والمشاكل التي تدور حولها.. وجهود الأمير ابن عياف حول هذا الأمر...
الخاتمة:
لا أريد أن أحرق عليكم جمال الكتاب وعمقه وتجربة مؤلفه، لا أريد أن أضيِّع عليك أخي القارئ فرصة اكتشاف فكر وجهد ومثابرة سمو الأمير بن عياف.. لكنني أتمنى على وزارة التعليم تحكيمه وإقراره ضمن المناهج الدراسية كما فعلت مع كتاب حياة في الإدارة... هذا أقل ما يمكن أن يعمل مع جهد كبير كهذا.
والله ولي الأمر.