الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تعجَّب الشيخ عايض بن محمد العصيمي الداعية ومفسر الأحلام من اهتمام الناس بأمور الرؤى والمنامات أكثر من اهتمامهما بأمور الدين والشريعة، تجد بعضهم جاهلاً في وضوئه وصلاته وصيامه ومع ذلك لا يسأل عن أحكامه الشرعية الضرورية، ويسأل عن رؤاه وأحلامه أكثر من سؤاله عن الأحكام الشرعية التي يحتاج إليها، وصار بعضهم كالطفل، يريد تفسيرا لكل ما شاهده في منامه ، لذا كانت النتيجة كثرة إقبال الناس على المعبرين مقارنة بالمفتين الشرعيين، فإن كان المعبر يستقبل نحو 400 إلى 600 اتصال في اليوم والليلة، فإن بعض المفتين الشرعيين قد يشتهرون ولا تتجاوز الاتصالات بهم سوى العشرات.
وأرجع العصيمي سبب هذا الاهتمام الزائد هو انتشار المعبرين على شاشات الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن الطرائف المبكيات المضحكات في هذا الشأن أنه بين عشية وضحاها نستيقظ فإذا بأناس لا يعرف عنهم، ولم يشتهر عنهم أنهم من أهل التعبير، وأهل هذا الفن، قد أصبحوا معبرين يضاهون ابن سيرين في المرتبة ، مشيراً إلى أن أكثر المهتمين بعالم الرؤى وتعبيرها هم النساء والسجناء، الذين هم أكثر الناس فراغا في أوقاتهم، ليس لهم ما يشغلهم من طاعة أو عمل، فتجدهم دائما ما يهتمون بالرؤى والمنامات، ولذلك غالبا ما تجد أن جوال المرأة يحمل أرقام معبري رؤى ومفسري أحلام.
وأوضح الشيخ عايض العصيمي أن التعبير فتوى، ولا يجوز الإقدام عليها إلا ممن هو من أهلها، لكنها ليست كالفتوى في الأحكام الشرعية، أي يجوز التنقل فيها، وهذه فائدة يجهلها كثير من الناس، فيجوز لك التنقل بعرض الرؤيا لأكثر من معبر، فمثلا لو قصصت رؤياك على شخص ولم ترتح لتعبيره، فلك أن تسأل الثاني والثالث والرابع، وإن كان الأفضل لك أن تنتقي من المعبرين شخصا واحدا، تعرف دينه وخلقه ومودته جيدا، بينما في الفتوى في الأحكام الشرعية فالأمر يختلف، فالتنقل في الفتوى نوع من الزندقة، ولذا قال السلف: «من تتبع الرخص تزندق»، أي وقع في النفاق.
ونبه العصيمي على أن الواجب للمعبرين تقوى الله عز وجل، فهي وصية الأولين والآخرين، أن يتقوا الله فيما يقولون وفيما يذرون، فلا يجوز لهم أن يفسروا الرؤيا وهم ليسوا أهلا لذلك، كما لا يجوز أن تفسر الرؤيا في غير محلها ومظانها، فالبعض عرف في تعبيره بالغرائب العجائب طلباً للشهرة،كما ينبغي على المعبرين ألا يعلقوا الناس بأشياء هي أقرب للوهم، كمن يعلق الناس بتواريخ مبدؤها الوهم وآخرها الوهم، كأن يقول «سيكون في يوم كذا كذا وكذا»، أو «ستسقط دول وستفتح القدس»، ومثل ذلك من يجزم مثلا أن تلك الليلة هي ليلة القدر، ولو تأملنا كلام المعبرين في هذا الشأن لوجدناهم مختلفين، فبعض يفسرها بأنها ليلة 21 وبعضهم ليلة 23 وكل حزب بما لديهم فرحون، ولو علم المسلم ليلة القدر فليس فيها أدنى فائدة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علق المغفرة بقيام ليلة القدر، وليس بمجرد إدراكها أو علمها، فقال -صلى الله عليه وسلم- «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» فالعلم بها وحده لا يكفي، ولذلك ذكر المحدثون والفقهاء الذين شرحوا علامات ليلة القدر أن ليلة القدر قد تتكرر في أكثر من ليلة، فتعليق الناس بتواريخ ليست على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليست من طريقة السلف الصالح.
وشدد الشيخ عايض العصيمي على أنه لا يجوز للمعبرين أن يعلقوا الناس بأشياء ظنية، كأن يقول المعبر للرائي ستكون غنياً ثرياً تاجراً وما زال يضرب الفقر في عظامه ليل نهار، ولا يجوز أيضاً في المقابل أن يعلق المرأة التي تبحث عن بصيص أمل بأنها ستتزوج بشيخ أو بأمير أو بوزير، ناصحاً إخوانه المعبرين بأن يتواضعوا، ولا يقارنوا أنفسهم بالآخرين، ويجتنبوا الـ«أنا»، وفي ذلك يقول ابن القيم «وليحذر كل الحذر من طغيان «أنا»، و»لي»، و»عندي»، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس، وفرعون، وقارون، فـ(أنا خير منه) لإبليس، و(لي ملك مصر) لفرعون، و(إنما أوتيته على علم عندي) لقارون»، كما عليهم أن يستغلوا تعبير الرؤى والأحلام بقضية إرشاد الناس، فأعظم ما يقدمه المعبر للناس هو ربطهم بالله عز وجل، وتقديم النصح لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فلو كان شارباً للخمر مثلا تحذره من آثاره السيئة في دينه ودنياه، لكن لا يكون ذلك عن طريق الكذب، إذ لا بد أن تكون الطريقة مشروعة والغاية مشروعة، وفي المقابل نحذر من الخرافات التي تنشأ عن بعض المنامات المزعومة، مثل: رؤيا أحمد صاحب مفاتيح المسجد النبوي المكذوبة، فهي برغم تصدي العلماء لها فإنها تعود وتخرج كل فترة وأخرى.