د. تنيضب الفايدي
تعتبر الرياض مدينة حديثة، لكن بعض أحيائها قديم جداً مثل حي منفوحة أو (مدينة منفوحة).. موطن الأعشى. وللكاتب ذكريات مع الرياض وأحيائها ولاسيما منفوحة، حيث سكن الكاتب الحلة (حي من أحياء الرياض القديمة مجاور لحي الصالحية) فترة قصيرة وترك منزله المستأجر حديثاً وغادرها إلى حي (منفوحة) رغم بعدها عن كلية التجارة التي يدرس بها في (حي عليشة)، حيث لديه معلومات سابقة عن منفوحة لأنها موطن صاحب إحدى المعلقات السبع أو العشر، ورغم أن تخصص الكاتب (محاسبة وإدارة)، حيث كانت التخصصات مثنى مثنى، فإضافة إلى التخصص السابق يوجد تخصص آخر (الاقتصاد والعلوم السياسية) إلا أنه كان يحفظ مئات الأبيات من الشعر ولاسيما التي تذكر أسماء صاحبات ومواقع أصحاب المعلقات، وقد ركّز على بعض أبيات معلقة أبي بصير (الأعشى) وهو ميمون بن قيس لأن موطنه منفوحة، وذكر الأعشى الرياض وهي مجموع (روضة) ومن ضمنها الرياض التي حول منفوحة وذكر رياض (الحَزْن) والحزن، ما ارتفع من الأرض وهي أفضل من رياض الانخفاض، وهو حقيقة الرياض حالياً مرتفعة معنىً وواقعاً (ولم تكن الرياض مدينة في عهده):
ما روضة من رياض الحَزْن معشبة
خضراء جاد عليها مسبل هطل
وأصبح الكاتب يشغل زملاءه ببعض أبياتها ولاسيما تلك المتعلِّقة بوصف صاحبته التي لا يطيق لها وداعاً فقد كان الوصف دقيقاً لها في معلّقته فهي: ممشوقة القوام، بيضاء صافية اللون، واسعة الجبين، طويلة الشعر ونقية العوارض، كما وصف مشية صاحبته بأنها ليست مسرعة ولا متعجلة وإنما هي مشية هادئة تعتز بها صاحبتها فهي تمشي (الهوينا) مثل تحرك السحاب:
غراء فرعاء مصقول عوارضها
تمشي الهوينا كما يَمشِي الوجي الوحلُ
كأن مشيتها من بيت جارتها
مر السحابة لا ريث ولا عجلُ
ولكن زملاء لا يعيرون كلمات (صناجة العرب أي: الأعشى) اعتباراً رغم نفاستها وأراد الكاتب أن يقربها لهم، حيث إن مشية صاحبته يقابلها:
أين من عيني حبيب ساحر
فيه عزٌّ وجلالٌ وحياء
واثق الخطوة يمشي مَلَكاً
ظالمُ الحُسْنِ شهيّ الكبرياء
عَبِقُ السحرِ كأنفاسِ الرُّبى
ساهم الطرف كأحلام المساء
وقد فوجئ الكاتب بهم جميعاً يستعيدون الأبيات ويكتبونها، بل ويرددونها.