د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
من محافظة الغاط تلك المدينة الرشيقة ذات العقل المثقف التي تناثرتْ فيها صنوف الريادة المجتمعية الشاملة المتوشحة دائما بواقع الوطن والناس؛ من الغاط انبثقت طيوب منتدى منيرة الملحم المتربع هناك في دورته 13، والمنتدى أحد منصات التنوير الممتدة من مؤسسة الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري التي تأسست في منطقة الجوف يحوطها هدف سامٍ نبيل وهو صناعة ممكنات تطوير القدرات البشرية مجتمعيا وتعليميا وثقافيا، ففي المنتدى شواهد تحمل دلائل التنوير، وصفوف من الحوافز الداعمة للحراك المجتمعي الإيجابي المثمر الذي يستهدف الإنسان والتنمية البشرية بصفة خاصة، والمنتدى وهو في وشاحه الثالث عشر لا يستغلق على البصير التقاط متغيراته وتجدده الدؤوب، فلقد أصبح منصة إشراق وطنية وله في كل عام مجيء مدهش يتهادى مع اسم منيرة الملحم رحمها الله الذي أتمت عائلتها رسم لوحاته، وحلّ المنتدى هذا العام 2020 في الفضاء الرقمي تحرزا من وباء الكورونا الذي عم بلادنا والعالم، ليكون انتقاء الموضوع مبصرا عما يتصدر اهتمام المجتمع كافة وهو (التعليم عن بعد في ظل جائحة الكورونا، الواقع والمأمول) واحتوت محاور المنتدى تأطيرا مجزيا في صياغة موضوع التعليم عن بعد ما له وما عليه بدءا من التوجهات المستقبلية لتطوير برامج التعليم عند بعد؛ ومن ثم واقع التعليم عن بعد وفق ما أحاطه من تقويم المدخلات والمخرجات والنتائج في التعليم العام بعد فترة التطبيق هذا العام؛ وعرّج المنتدى على الجهود التي حظيت بها الجامعات واستثمرتها في السياسة التعليمية الجامعية والمكاسب التي تمت؛ وآليات المحافظة على المكتسبات التعليمية عن بعد؛ واختُتِمَ المنتدى بطرح آخر عن التأثيرات التربوية على النشء من خلال تطبيق التعليم عن بعد في المرحلة الابتدائية، والحقيقة كان الطرح ممتعا ولافتا حيث المستحصل النهائي جاء متوازنا ويُمثل آراء المجتمع الذين هم المستهدف الأكيد لحراك المنتدى؛ ولقد تجاوز الحضور عبر الفضاء الافتراضي 1500 متابع من داخل المملكة وخارجها كما ورد من القائمين على المنتدى عبر وسائل التواصل الإعلامية، والموضوع دفعني وأمثالي للاستفاضة في طرح الرؤى حوله؛ فموضوع التعليم عن بعد حريٌّ بالأسئلة والمداخلات والنقاشات، ولقد حمل المنتدى في دورته الثالثة عشرة التعليم عن بعد من زوايا لافتة كونه إجراء عالمياً لا يخص بلادنا وحدها؛ وكونه من أدوات الاحتراز التي تبنتها بلادنا للمحفظة على الصحة من وباء الكورونا المنتشر؛ ولأن التعليم عن بعد له مكتسباته، كما أن في شكله ونمطه شيئاً من الفاقد التعليمي، وأحسبُ وزارة التعليم تسعى لتعويضه؛ وحتما يحتاج ذلك إلى ترقية منهجية القياس وتحديد دقيق لمؤشرات كفاءة النظام التعليمي بآلية الفصول الافتراضية، وحينما طرح التعليم عن بعد في المنتدى، فتلك عين بصيرة تنتظم فيها ملخصات يستضاء بها من قبل القائمين على السياسات التعليمية؛ كما أن تلك الطروحات التي استهدفها المنتدى كموضوع للنقاش ركزت على الإجابة على تساؤلات المجتمع حول مستقبل التعليم عن بعد؛ كما أنها أيضا كشفتْ عن واقع التلقي المجتمعي والتعامل مع هذا النوع من التعليم الافتراضي؛ ولذلك فإن الوقت حان أن نركز على مصانع التشغيل المنتجة لما يخدم الواقع التعليمي الافتراضي والحصول على اعتراف مجتمعي موقر لذلك النمط من الوصول التعليمي حتى في الأحوال الطبيعية، كما نحتاج لإطار محكم للمحتويات المعرفية الرقمية التي تُبثُّ من خلال الفضاء الافتراضي الذي يثلم جداره الإسهاب حتما؛ وتهوي بمصداقيته فروض العبارات غير المحددة، وفي المنتدى كان صوت الطفولة عاليا ومقنعا حيث أخذ الحديث عن التأثيرات التربوية للتعليم عن بعد على الأطفال في المرحلة الابتدائية خاصة وأخذ مسترادا واسعا من الاستدلال عليه.
وخلُص المنتدى أن التعليم عن بعد خيار متاح يمكن استثماره اقتصاديا خاصة في التعليم الجامعي الأكاديمي واستثماره تربويا ومجتمعيا كما أنه إضافة مستدامة وليس بديلا عن التعليم المباشر؛ وتعامل أولياء الأمور والأسرة مع التعليم عبر الفضاء الافتراضي احدث تشاركا مشهودا لم تصنعه القرارات إنما صنعته الحاجة والواقع، واختتم المنتدى بشهادات ممهورة بأن بلادنا نالت في تطبيق التعليم عن بعد باقات ثناء على المستوى المحلي والعالمي، وأن الجهود والترقية والتطوير لمكتشفاتنا في التعليم عن بعد مازالت ترود فضاءاتنا التعليمية عن قرب بعون الله وتوفيقه!.